جاسر الدخيل- خاص راصد الخليج-
تعتبر الحملة التسويقية التي رافقت الإعلان الرسمي عن "رؤية السعودية 2030" في 26 نيسان / أبريل الماضي حملة غير مسبوقة في الاعلام السعودي خاصة والترويج العالمي لها ولصاحبها عامة. لا سيما مع خروج صاحب الرؤية بنفسه للتسويق لها في اكثر من وسيلة اعلامية ولا سيما بلومبيرج. ما زاد من حماس المشاركين في تلك الحملة.
بعد إقرار مجلس الوزراء للخطة، كان لافتاً قيام وليّ وليّ العهد الامير محمد بن سلمان بعقد جلسة خاصة مع عددٍ من رجال الدين والإعلاميين تم اختيارهم بدقة لشرح خطته في اطار تسويقها. وبحسب المشاركين في تلك الجلسة، فقد رحبوا بالخطة من جهة ودعوا للأمير بالتوفيق، كما دعوا له من الجهة الأخرى بالثبات على مذهب التوحيد والسنة.
تعتبر الخطة من المشاريع التي يطلق عليه اسم «الفوقية» واعني بالفوقية انها تفرض من اعلى رأس في السلطة، على ان أغلب المشاريع الفوقية، هي في أحسن نماذجها نتاج أحلام حاكم مستبدٍ سخّر موارد البلاد لتحقيق تلك الأحلام،. اذ ان طبيعة الحكم الاستبدادي ان الحاكم فيها يتخيّل أنه قادر على التحكم في جميع الأمور.
العامل المشترك في أغلب حالات فشل خطط التنمية الفوقية هو استفراد السلطة الحاكمة بالقرار.
وفيما يتعلق بالمملكة السعودية بالذات، فان الحاجة ضرورية للتذكير بأن التمهيد لتنمية حقيقية يتطلب اكثر من خطة فوقية، فقبل كل شيء ينبغي إزالة معوقاتها واهمها الفساد واحتكار قطاعات الاعمال، خاصة ان هذين الامريين يمثلان العنصر الابرز من عناصر استدامة حكم العائلة المالكة في البلاد. فتوزيع الثروات الوطنية على انها ريع خاص للعائلة الحاكمة وفق مقادير يحددها ميزان القوى بين الاجنحة المختلفة.
ومهما يكن من اكر فان «تقليص الدور الخدماتي والرعائي للدولة»، لعله ابرز ما يميز ما عُرف باسم «رؤية السعودية 2030» وهو يكرر ما تضمنته خطة نشرتها مؤسسة "ماكنزي" الأميركية في نهاية العام الماضي. الخطة تركز طريقيْن أولهما خصخصة أقسام رئيسة من الخدمات الأساسية والرعائية، أما ثانيهما فهو استخدام موارد الدولة واحتياطياتها لإطلاق مشاريع ضخمة داخل البلاد وخارجها. وفي مرحلة لاحقة يأمل واضعو الرؤية في إغراء المستثمرين المحليين والدوليين بدخول السوق السعودية بقوةمن هنا نفهم اليبب وراء الإعلان عن نية المملكة تسييل جزء من قيمة شركة النفط السعودية، أرامكو، عبر طرح نسبة من أسهمها للاكتتاب داخل المملكة وخارجها، كما يجري الحديث عن مداخيل جديدة لاستثمارات في أراضٍ وعقارات تملكها الدولة. ولعل الامر الاخير قد بدأ فعلا ويقع في سياقة شراء الامير طلال بن عبد العزيز ارضا بمساحة 20 مليون متر مربع بيعت له بعشرين مليون ريال سعودي اي بمعدا ريال للكتر الواحد. ويضاف الى هذا النوع من المداخيل مداخيل اخرى يتوقع الأمير تحصيلها من رفع عدد حجاج العمرة من ثمانية ملايين إلى خمسة عشر مليوناً في خلال أربع سنوات، ليصل العدد إلى ثلاثين مليوناً في 2030. يُضاف اليها مداخيل يُتوقع أن تدّرها مناجم اليورانيوم والذهب والفضة والنحاس والفوسفات وغيره من المعادن.. كل ذلك حسبما ذكر ولي ولي العهد محمد بن سلمان.
فلا غرابة وفق هذه الطريقة من الحسابات أن يتحدث الأمير ومروجو خطته عن تريليونات الدولارات التي ستسهل تنفيذ رؤية 2030.
ان الخطة المذكورة، وعند اكثر المتفائلين الموضوعيين لا المروجين النفعيين، ليست سوى من باب التفاؤل بالخير وذلك استنادا الى استناداً إلى "براهين" تؤكد على أهمية التفكير الإيجابي. لكن الإفراط في التفاؤل قد يتحول الى نوع من خداع النفس، وربما يقود إلى المهالك في حال الاستناد إلى رؤية غير واقعية. بمعنى ان لم يرتكز العمل إلى دراسة جدية لإمكانيات التنفيذ وامتلاك القدرة على معالجة المعوقات البنيوية، لا على بروباغندا اعلامية تسعى للترويج لصاحب الخطة.
وعلى أية حال، لا يمكن في ظل غياب التفاصيل وانعدام الشفافية التدقيق في تلك التقديرات، خاصة ان الرؤية مليئة بالانشائيات وخالية من بيان المعوقات او التحديات الواقعية. وحتى بافتراض صحتها ، فلا يمكن ضمان أن تتم المحافظة على الاتجاهات الراهنة في البورصات العالمية، أو ألا يستمر سعر برميل النفط في الانخفاض وكذلك غيره من المعادن.
تعيد «رؤية 2030» إلى أذهان المهتمين بدراسات التنمية أطروحة «الدفعة القوية» التي قدمها بول روزينشتايْن - رودان في بداية أربعينيات القرن الماضي. جوهر تلك الأطروحة هو أن تحقيق النمو يتطلب القدرة على توفير رأسمال كافٍ تديره وقفيات استثمارية أو صناديق سيادية، للقيام باستثمارات ضخمة وشاملة ومتزامنة في جميع القطاعات الاقتصادية والبنى التحتية. لم تلق تلك الأطروحة رواجاً بسبب أنها تتجاهل الأكلاف الاجتماعية والسياسية لتلك الاستثمارات، علاوة على أن ضخامتها، التي يتطلبها تنفيذ "الدفعة القوية"، تفوق قدرات القطاع الخاص والحكومات في أغلب الدول. لم يتطرق محمد بن سلمان ولا الذين صاغوا رؤيته إلى المعطيات التي يستندون إليها لتقرير أن "الرؤية" قابلة للتنفيذ في ظل المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في السعودية.
برغم الضجة المثارة حول هذه الرؤية، فلا يمكن أن نتوقع أن تحقق ما عجزت عنه الخطط العشر المتتالية التي أعلنتها العائلة المالكة السعودية طيلة الخمس وأربعين سنة الماضية. ابتداء من الخطة الخمسية الأولى (1970) التي صيغت في عهد الملك فيصل، والتي حددت ثلاثة أهداف لها هي: اولا: زيادة معدلات نمو الإنتاج. ثانيا: تطوير الموارد البشرية.
ثالثا: تنويع مصادر الدخل الوطني وتخفيف الاعتماد على البترول.
لكن اخطاء هذه الخطة تكررت في تسع خطط خمسية لحقتها، ونفس الامر يتكرر الان في رؤية 2030. فعلى سبيل المثال فان الخطة التاسعة (2010-2014 ) أدت مثلا إلى ارتفاع معدل البطالة بدلاً من خفضه كما كان مقرراً.
منذ 1970 انفق الملوك السعوديون والى اليوم مبالغ تزيد قيمتها الحقيقية عما يعتزم محمد بن سلمان إنفاقه على رؤيته. ولو قرأ جيدا التاريخ، على فرض انه لا يعرف، لعلم ان مصير خطته مصير سابقاتها.