خاص الموقع

السعودية والسودان وشراء الولاءات

في 2016/05/25

جاسر الدخيل- خاص راصد الخليج

لم يكن قرار الرئيس السوداني عمر البشير بادخال بلاده في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، والذي يضم 34 دولة بعضها دول إفريقية، ضد اليمن قرار عشوائيا ولا هو ارتجالي خال من أي بعد. وكذلم القرار بقطع علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رغم العلاقة التاريخية بينهما.

فمنذ اندلاع الأزمة بين طهران والرياض، دخلت الخرطوم في خلاف قد لن تستطيع الخلاص منه بسهولة. فما هي الأسباب العميقة للتقارب السوداني السعودي؟

رغم أن البشير ينكر هذا بشدة، لكنه مقرب من الإخوان المسلمين وهذا ما يجعله ميّالا للتقارب مع السلطات السعودية “الوهابية”.

تاريخيا : تعود العلاقات السعودية السودانية إلى زمن بعيد، إلى السبعينيات والثمانينيات، منذ وصول الرئيس جعفر النمري للسلطة، كان القيادي في الإخوان المسلمين، حسن ترابي، حينها وزيرا للعدل ومقربا من شخصية معارضة -تم إعادتهما سنة 1981 للحزب الوحيد في البلاد وكانت تربطهما بالسعودية علاقات طيبة.

بل إن حسن ترابي هو من طلب في نفس السنة من الرئيس السوداني تطبيق الشريعة، الأمر الذي تسبب في نشوب خلافات مع دارفور والمسيحيين بالجنوب. بالإضافة إلى أن النميري بدا كالقائد الذي قضى على الشيوعية في إفريقيا. لهذا كان ثاني من يتلقى الدعم من أمريكا في إفريقيا، وهذا هو ما جعله قريبا من السعودية.

لكن هذه العلاقات تدهورت حتى بلغت مستويات سيئة. فقد وصل عمر البشير للسلطة عبر انقلاب عسكري برلماني سنة 1989، قرر أثناء حرب الخليج سنتي 1990 و1991 الوقوف مع الجيش العراقي، ومنذ ذلك الحين أصبحت السودان “دولة منبوذة” ومدانة من قبل السعودية وجامعة الدول العربية، حيث تشكل بعدها حصار مالي واقتصادي كبير على السودان، ادى ذلك الى نوع من التقارب بين السودان وايران.

يمكن القول ان النظام الحالي عبارة عن سلطة عسكرية قومية تستوحي عقيدتها من الإخوان المسلمين، ربما تغيّر هذا مع الوقت، لكن الأصل لم يتغير، فرغم أن عمر البشير كثيرا ما ينفي علاقته بالإخوان لكننا لا يمكن لنا ان ننكر تأثره بالإخوان المسلمين الذين تأسسوا في مصر على يد حسن البنا سنة 1927.

تم إبعادهم عن السلطة في السودان سنة 1985 من قبل جعفر النميري، قبل سقوط نظامه، ارتكب خطأ كبيرا باختراقه البرلمان، أثناء الانتخابات التشريعية، هنا استغل الإخوان حالة الفوضى في البلاد، للتسلل في أطراف الحكومة والجيش، عبر انتداب مسؤولين من الإخوان المسلمين. في سنة 1990 استضافت الخرطوم المؤتمر الدولي للقومية الإسلامية: شارك في المؤتمر أسامة بن لادن، الذي عاش في السودان بين سنتي 1995 و1997، كما شارك أعضاء من حركة حماس الفلسطينية.

يمكن القول ان صورة الإسلام بحسب الرؤية الوهابية ليست متباعدة عن الصورة التي تتبناها جماعة «الإخوان المسلمون» ، تعتمد الوهابية على القراءة المتشددة والحرفية والجافة للقرآن والحديث النبوي، ويجب تطبيق هذا الفهم حرفيا، هذه العقيدة لا تفسح مجالا للتعدد الديني أو لتعدد التأويلات وتفاسير القرآن الكريم. كما أن مؤسس هذه العقيدة ادعى إصلاح الإسلام والعودة لزمن الرعيل الأول من الصحابة، خاصة الخلفاء الأربع المهديين.

منذ ظهور حركة الإخوان المسلمين، كانت فكرتهم تقوم على أن المسلمين قد ضلوا عن الدين ويجب إعادة إدخالهم في الإسلام من جديد، بالقوة لو اقتضى الأمر. ونعتوا المسلمين المخالفين لهم بالكفر. واعتبروا أنفسهم مصلحين ومارسوا لعبة الديمقراطية، ولكنه مجرد ذر رماد على العيون، كما شاهدنا تجربة محمد مرسي في مصر. وقد سبق أن حاولوا مرتين اغتيال الرئيس ناصر.

بالطبع تسعى السعودية لفرض رؤيتها الوهابية على مجمل المعسكر السني مستعينة باموال النفط، عبر معاهد ومؤسسات إسلامية قائمة على الفكر الوهابي، ويمولها سعوديون في السنغال والنيجر والتشاد.

ان ما ينبغي الاشارة اليه ان السودان لا يمكن له ان يكون حليفا للسعودية وايران في نفس الوقت، فيجب أن تختار مع من تقف.

وجد السودان الظرف مناسبا للتخلص من علاقته بإيران، ولكن الأسباب أعمق من هذا، أول الأسباب؛ بداية الربيع العربي في 2010 و2011 وتراجع علاقة دول الجامعة العربية بإيران.

فقطر والسعودية هما من شجعتا الانقسام الشيعي السني في سوريا ولبنان والعراق واليمن، “اخترقتا” الصراع؛ وذلك بهدف كسب تعاطف الدول السنية إلى صفهما، وبالطبع من بين هذه الدول المستهدفة نجد السودان.

أما السبب الثاني فمنذ تعرض السودان منذ حرب الخليج الأولى، إلى حظر اقتصادي، أمل عمر البشير في أن يتلقى مساعدات اقتصادية ومالية من السعودية للخروج من الخناق والوضع المزري الذي تعيشه البلاد. هذا تقارب دون قناعة، وهو تقارب واقعي سطحي قصير المدى.

بين حصار اقتصادي وانقسام اادى الى انفصال الجنوب، ومذكرات توقيف بحق البشير، وتغلغل وهابي في السودان، كل هذه الاسباب ادت الى قرار البشير بفك العلاقة مع ايران والتوجه نحو السعودية.