خاص الموقع

البحرين وتقرير «بسيوني»

في 2016/05/30

عباس البحراني- خاص راصد الخليج-

دون مقدّمات، حلّ المحقق الدوليّ «بسيوني» ضيفًا على ملك البحرين « حمد  بن عيسى»، في ايار مايو الجاري، لتُنسب إليه تصريحات أثارت «بلبلة» إعلاميّة وحقوقيّة بين أوساط المعارضة البحرانيّة، اعتراضًا على مضمونها.

التصريحُ المثيرُ للجدلِ والصادم في آنٍ واحد للمعارضة البحرانيّة (بشقّها السياسيّ بالتحديد)، نسبته وكالة أنباء البحرين «الحكوميّة» إلى «بسيوني»، وقد نصّ على أنّ حكومة البحرين قد التزمت بتنفيذ كافة التوصيات التي خرجت بها لجنته المُستقلة لتقصّي الحقائق في أحداث ثورة البحرين (2011)، بل أضاف أنّ الحكومة البحرانية (التي أغلب وزرائها من أسرة آل خليفة) قد قامت بإجرءات إضافيّة لم تدرج في توصيات لجنتهِ الموقرة!!

والتصريح المفاجئ الآخر، وهو ما نسب إليه – أيضًا – لفت فيه إلى اطّلاعه أخيرًا على العديد من التقارير الأمنيّة التي تؤكّد وجود تدخّل «لأطراف أجنبيّة»، بإشارة واضحة إلى اتهام إيران بأنّها وراء الاضطرابات السياسيّة في البحرين.

وتعود بصمة «بسيوني» على الأوضاع الراهنة في البحرين حينما أُنشئت «اللجنة البحرينيّة المُستقلّة لتقصّي الحقائق» على خلفيّة اندلاع أحداث الثورة في البحرين في فبراير 2011، وعقب التدخّل السعوديّ - الخليجيّ لسحق الثورة بالقوّة العسكريّة، وتحت ذريعة التصدّي للتمدّد الإيرانيّ من بوابة الجزيرة الصغيرة. لكنّ التدخّل السعوديّ العسكريّ – الذي حصل بغض طرف أمريكيّ – لم يخلُ من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وصفتها المنظّمات الحقوقيّة بالفظيعة والمروّعة، ما دفع بالأمريكيّ إلى المسارعة بالتدخّل حتى ينقذ الحكم والنظام السعوديّ من ورطة الملاحقة القانونيّة في المحاكم الدوليّة والمحافل الحقوقيّة، وتفادي الإدانات على مختلف المستويات، فكانت نصيحته للحكم في البحرين بضرورة القبول بإنشاء لجنة تحقيق دوليّة (صوريّة)، لتنظر في الأحداث التي وقعت خلال شهري فبراير ومارس (2011)، وبالفعل كانت استجابة ملك البحرين «حمد آل خليفة» سريعة،  حيث أصدر الأمر الملكيّ بتشكيل ما صار يعرف بـ«اللجنة البحرينيّة المُستقلّة لتقصّي الحقائق»، وتعيّين المستشار السابق في وزارة الخارجيّة الأمريكيّة فقيه القانون الدوليّ والإنسانيّ «محمود شريف بسيوني» رئيسًا لها.

لم تتجاوز وظيفة المحقّق المصريّ الأصل «بسيوني» خلال عمله في البحرين «المهمّة السرديّة» لحكاية ما حصل من أحداث مُفجعة، وإحصاء بعض التجاوزات التي قامت بها عناصر السلطات الحاكمة، كممارسة التعذيب والقتل في السجون، والاستخدام غير المبرّر للقوّة، لكنّ المهم في تحقيقات «بسيوني» إقراره أنّ قادة المعارضة المعتقلين هم «معتقلو رأي»، والأهم أنّه لم يثبت أيُّ دليل لديه على تدخّل إيرانيّ يذكر في أحداث البحرين!

المعارضة السياسيّة، بزعامة جمعيّة الوفاق، عدّت ما تضمّنه تقرير «بسيوني» من نتائج وتوصيات، انتصارًا للشعب وتبيانًا لحقيقة ما حصل – وما زال يحصل - في البحرين، فعملت على مدى خمسة أعوام بالاستشهاد بتقرير «بسيوني» في كلّ واردة وشاردة، ونشرته في مختلف وسائل الإعلام، واستندت إليه في المحافل الدوليّة والحقوقيّة بوصفه إدانة رسميّة بإمضاء النظام الحاكم ، واستمرّت بمخاطبة المجتمع الدوليّ ليلًا ونهارًا، ومناشدته للمساعدة في تطبيق توصياته وتحقيق أهدافه المتمثلة بقيام العدالة والديموقراطيّة في البحرين.

خمسة أعوام مضت، ولم يتحقّق أي شيء مما تمخض عنه تقرير «بسيوني» من توصيات، ما عدا أمور شكليّة لذرء الرماد في العيون، وإشغال الرأي العام بأمور تافهة. في واقع الأمر، وبشهادة منظّمات حقوقيّة محليّة ودوليّة (آخرها تقرير الخارجيّة الأمريكية الصادر في أبريل 2016)، فإنّ انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين قد تضاعفت بشكل غير مسبوق، وازداد خنق الحرّيات، واستمرّ الوجود السعوديّ العسكريّ ومصادرته القرار السياسيّ، وامتلأت السجون بآلاف المعتقلين، ودول الاغتراب بمئات المطاردين والمهجّرين، ولوحق النشطاء والحقوقيّون والسياسيّون والمغرّدون، وأسقطت الجنسيّة عن المواطنين المعارضين، وزجّ برموز المعارضة السياسيّة في المعتقلات، وفي مقدّمتهم الشيخ علي سلمان «شيعيّ» وإبراهيم شريف «سنيّ»، ما يدل على ان القضية البحرينية ليست طائفية بل وطنية بامتياز، وذلك بعد ما غصّت السجون برموز المعارضة الثوريّة. 

ضجيج المعارضة حيال تقرير «بسيوني» لم يؤتِ اُكله، ولم تثمر الجهود أيّ تقدّم يذكر، فالأمريكيّ منذ بادئ الأمر لم يرد من تشكيل لجنة تحقيق دوليّة في أحداث البحرين إلا تقطيع الوقت واستثماره لمصالحه، وحماية النظام الحاكم من الحصار الحقوقيّ والإدانات الدوليّة، والالتفاف على الأصوات المنادية بتلبية مطالب شعب البحرين.

الرهان على تقرير «بسيوني» والموقف الأمريكيّ لتحقيق شيء ما يصبّ في صالح شعب البحرين، كان سرابًا، لم تكن إملاءات وزير الخارجيّة الأميركيّ «جون كيري» على المعارضة السياسيّة أثناء زيارته البحرين في نيسان أبريل الماضي مفاجئة، حيث حثّها على المشاركة في الانتخابات النيابيّة (2018)، والعودة إلى العمل المعارض ضمن لعبة الحكم ، لينكشف بوضوح القرار الأمريكيّ الذي يتجه نحو إلزام المعارضة البحرانيّة بطي صفحة الأعوام الخمسة، والكفّ عن ادعاء استمرار الثورة الشعبيّة في البحرين، والنظر فقط إلى الإمام وفق الاستراتيجيّة الأمريكيّة لإدارة الأزمات في البحرين والمنطقة.

وعندما لم تستوعب المعارضة للرؤية الأمريكيّة المتجدّدة حيال الوضع السياسيّ المتأزم في البحرين، حان وقت القرار الأمريكيّ بسحب تقرير «بسيوني» من التداول السياسيّ والتوظيف الحقوقيّ، فأوعز مجددًا للموظف «بسيوني» القيام بزيارة خاطفة للبحرين، ليعلن في محضر«الملك» براءة الحكم من أيّ اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، بعدما قامت حكومة «الملك» المعيّنة بتنفيذ توصيات لجنته المعيّنة من «الملك» نفسه، وأنّ أهداف تقريره قد تحقّقت وأنجزت بشكل يرضي ضميره وتاريخه الحقوقيّ! فتقلّد الوسام «الملكيّ» تكريمًا لخدماته، وإسقاطه ذريعة المعارضة المتعلّقة بعدم تطبيق توصياته بحذافيرها. ولم يفوّت «بسيوني» فرصة الوفاء للمشروع السعوديّ المتصاعد، فادّعى اطّلاعه على تقارير أمنيّة جديدة تؤكّد ما نقضه تقريره قبل خمسة أعوام، وتجزم بالدليل «الذي لا يشوبه ريب» وقوف إيران وراء الاضطرابات في البحرين، وإن لم يتّهمها بالاسم.

«بسيوني» حتى الساعة لم يؤكّد ولم ينفِ بشكل رسميّ ومباشر ما نُسب إليه من تصريحات مثيرة للجدل، وأدخلت البلاد في جدليّة النفي والإثبات بين المعارضة السياسيّة والسلطات الحاكمة، في حين لم تعترف المعارضة الثوريّة – وفي طليعتها ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير – بتشكيل لجنة «بسيوني» مُنذ لحظة ولادتها على يد سلطة مُتهمة بالقمع والقتل، ورعاية دوليّة ازدواجيّة الرؤية، فكيف لهكذا سلطة أن تشكّل لجنة تدينها أو تثير شبهات حول رعاتها الإقليميّين والدوليّين، فكانت لجنة «بسيوني» معروفة الخلفيّة والمسار والأهداف، وأنشئت خدمة للمشروع الأمريكيّ لا غير، وهذا ما أثبتته الوقائع بالصوت والصورة بعد خمسة أعوام عجاف من التمسّك بتقرير لا يعدو كونه أكثر من «حبر على ورق».