خاص الموقع

البحرين.. بداية مرحلة أو نهاية مرحلة؟

في 2016/06/18

عبّاس البحرانيّ- خاص راصد الخليج-

سلسلة أحداث دراماتيكيّة متتالية ومتسارعة شهدتها الساحة البحرانيّة في الآونة الأخيرة، تشي بمجملها وتقاطعاتها الملتهبة بأنّ انعطافة جديدة ستدخلها الثورة الشعبيّة السلميّة المطالبة بحقوق مشروعة إنسانيًّا ودوليًا، بالتالي قد يبلغُ الاحتدام السياسيّ في الجزيرة الخليجيّة الصغيرة مستوياته الأعلى منذ اندلاع الثورة في العام «2011». 

 مع مطلع شهر رمضان الحالي شهد الحراك في البحرين خطابًا سياسيًّا هو الأوّل من نوعه لرئيس شورى ائتلاف 14 فبراير، الفصيل الشبابيّ المعارض الأبرز في الجانب الميدانيّ وإدارة العمل الثوريّ شبه اليوميّ منذ خمسة أعوام، خطاب رئيس شورى الائتلاف بثّ تسجيلًا صوتيًّا، ولم يكشف عن هويّة شخصه الحقيقيّة، بحكم العمل السريّ الحديديّ الذي تلتزم به هذه المجموعة الشبابيّة النشطة، صونًا من ملاحقات السلطات الأمنيّة في البحرين، وحفاظًا على ضمانة استمرار العمل والنشاط. 

مضامين الخطاب أكّدت أنّ مفتاح الحلّ السياسيّ في البحرين يكمن في «رحيل الاحتلال السعوديّ» و«تمكين الشعب من تقرير مصيره». 

أراد ائتلاف 14 فبراير عبر خطاب رئيس شورته تثبيت مسار الثورة المشروعة في انطلاقتها وأهدافها ومبادئها، وتأصيل الحراك الشعبيّ في البحرين، ليؤسّس لمرحلة جديدة من عمر الثورة، قوامها الثبات والصمود والتلاحم والاستمرار في النهج السلميّ حتى تحقيق الشعب مطالبه المشروعة، لكنّ السلطات الحاكمة في البحرين أرادت، في المقابل، مرحلة مغايرة ومن نوع آخر، مرحلة تتّسم بالقبضة الأمنيّة وتحريك أدوات الطائفيّة، والعنف، والبطش، والترهيب، والاعتقال لكلّ من يطالب بحقّ مشروع أو يعبّر عن رأيه. 

في الوقت الذي كانت الأنظار تترقّب مفاجئة مما قد يحصل أثناء جلسة محاكمة الشيخ علي سلمان، أمين عام أكبر جمعيّة سياسيّة في البحرين، أصدرت المحكمة حكمًا مغلّظًا على سماحته، وقطعت الآمال بانفراجة كانت لتؤسس لخروج البحرين من النفق المظلم الذي أدخلتها فيه سياسات الحكومة بعنجيّتها وممارستها للعنف بشكل غير مسبوق، فيما لو حصلت. 

لم يكن تغليظ الحكم بحقّ أمين عام جمعيّة الوفاق إلا البداية، ليليه بعدها  سلسلة خطوات مُلفتة تنبّئ بوجود ضوء أخضر سعوديّ – إماراتيّ، وتغطية من الإدارتين الأمريكيّة والبريطانيّة، حظيت بها العائلة الحاكمة في البحرين، لتطلق عنان القمع الرسميّ وفي وضح النهار، وهذا ما أكّده المقرّر الخاص المعنيّ بشؤون التّعذيب في الأمم المتحدة «خوان مانديز» عندما صرّح بالقول: «تعدّ البحرين نفسها مُحَصّنة من الرّقابة نظرًا لعلاقاتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا»، وما أصوات «الاستنكار» و«القلق» التي تصدر من هنا وهناك، ومن بعض المنظّمات والحكومات، إلا لرفع العتب والتستّر خلف قناع وحشيّة انتهاك حقوق الإنسان في البحرين، واضطهاد الطائفة الأكبر في هذه الجزيرة الخليجيّة. 

كما أنّ عدم مبالاة وزير خارجيّة البحرين بانتقاد المفوّض السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين بشدّة حكومته، على خلفيّة استمرارها بقمع مواطنيها بأساليب مختلفة، وتشديده – أيّ الأمير زيد – على أنّ القمع سيزيد من مظالم الناس ولن يقضي عليها، يؤكّد مدى صلابة الحصانة الإقليميّة والدوليّة التي تحظى بها العائلة الحاكمة في البحرين، ويكشف مدى الصلافة التي تدفعها للقيام بانتهاكات لحقوق الإنسان بالتزامن مع افتتاح الدورة الـ«32» لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، حيث مُنع الحقوقيّون والنشطاء من مغادرة البحرين للمشاركة في الدورة، واعتُقل رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان الناشط الأبرز نبيل رجب، الممنوع من السفر بدوره بعد الإفراج الأخير عنه، وهُدّدت الناشطة زينب الخواجة بالاعتقال مجدّدًا، ما اضطرّها إلى اتخاذ قرار الهجرة ومغادرة البحرين، كما تزايدت انعقاد جلسات المحاكم والقضاء وإصدار الأحكام المشدّدة بحقّ المعتقلين، بلغ أقصاها تأييد أحكام الإعدام والمؤبّد وإسقاط الجنسيّة! 

إلى هنا، قد يعتبر البعض أنّ ما حصل هو مجرّد استهداف للجسم الحقوقيّ في البحرين، ومنعه من التواصل مع المجتمع الحقوقيّ والإنسانيّ في الخارج، كي لا يكشف المزيد من الانتهكات التي تقوم بها السلطات البحرانيّة، ولكنّ استهداف الحراك الشعبيّ أخذ هذه المرّة جرعات تصعيديّة، فقد أقدمت السلطات على إغلاق جمعيّة الوفاق وجميع مقرّاتها ومكاتبها، وحجزت حساباتها وأموالها، تمهيدًا لحلّها، بذريعة أنّ الجمعيّة التي زُج أمينها العام في السجن، قد انتهكت الدستور ووفّرت الحاضنة اللازمة للعنف في البحرين، في حين يؤاخذ عليها من قبل بعض أطراف المعارضة الثوريّة بأنّها مفرطة في منهجيتها السلمية !! 

ولم يتوقّف مسلسل الاستهداف عند الجانب الحقوقيّ والسياسيّ، بل طال أيضًا الجانب الدينيّ والمذهبيّ من خلال إصدار قرار بحلّ جمعيتيّ التوعيّة والرسالة، واعتقال القائمين عليهما، ووقف أكبر صلاة جمعة في البحرين بإمامة الشيخ محمد صنقور، واستدعاء مجموعة من العلماء إلى غرف التحقيق والنيابة العامّة، وفي طليعتهم رئيس المجلس العلمائيّ السيّد مجيد المشعل، وسبق كلّ ذلك صدور «أمر ملكيّ» يمنع رجال الدين من الانخراط في العمل السياسيّ والانتماء للجمعيّات السياسيّة، على طريقة فصل الدين عن السياسة، وملاحقة كلّ من يبدي اعتراضًا أو موقفًا على إجراءات الحكومة التعسفيّة.       

حفلة جنون سياسيّ بكلّ ما للكلمة من معنى، يريد من خلالها ملك البحرين «حمد بن عيسى آل خليفة» إنهاء الحراك الذي أرهق أجهزته الأمنيّة طيلة خمسة أعوام، بأيّ ثمن ممكن، واستباق التطوّرات الإقليميّة واحتمال انطلاق قطار التسويات السياسيّة في المنطقة عبر جمع أوراق القوّة بيده، ليطرحها على طاولة المفاوضات حين تدقّ ساعة الصفر وتقديم التنازلات، ملك البحرين يعرف جيّدًا أنّ المحور الذي ينتمي إليه يخسر ولا خلاص أمامه إلا التصعيد واستمرار ضرب الرأس بالجدار، لعلّه يفتح هوّة ما تحفظ له ماء وجهه من الهزيمة والفشل والانكسار. 

رهان ملك البحرين على تطوّرات الإقليم والدعم الدوليّ الغربيّ والانتخابات الأمريكيّة المرتقبة لن يجدي نفعًا أمام إصرار شعب البحرين على الاستمرار في مطالبه المشروعة والمحقّة، فالمنطقة عرفت حكّامًا أكثر منه تسلّطًا وتعسّفًا، لكنّهم صاروا من الماضي الغابر، وأصبح للشعوب كلمة وقرار، وزير عدله عدّ ما يجري نهاية مرحلة وبداية مرحلة في آن واحد، وهذا صحيح، فالاستهداف الذي يطال رموز المعارضة بشقّها الثوريّ والسياسيّ والمعتدل والحقوقيّ والدينيّ، هو استهداف أحمق ولا يعبر عن قراءة واعية لمجريات الأحداث، بل يؤسّس لتوحيد صفوف المعارضة ويدفعها للتماسك والتلاحم أكثر، بالتالي سيختصر ما جرى وما يجري قول: الخير فيما وقع !