هدى القشعمي- خاص راصد الخليج-
يعاني المجتمع السعودي من آفات إقتصادية واجتماعية مميتة لا تميز بين الفئات العمرية فهي تطال الجميع، الحديث سيدور رحاه في مقالنا عن آفة المخدرات المستشرية في المجتمع السعودي والتي أصبحت بدرجة عالية من الخطورة إذ أنها غزت كل المناطق السعودية والطبقات الإجتماعية وكذلك للأسف الفئات العمرية الصغيرة منها والكبيرة، فما هو حجم الكارثة؟ وما هي تبعاتها وأسباب تفاقمها؟ وهل نستطيع الحد من مخاطرها؟.
حجم تهريب وتعاطي المخدرات في المملكة:
لكي نبين حجم كارثة تعاطي المخدرات ببلاد الحرمين لا بد من أن نورد جملةً من الإحصاءات التي تبين لنا المصيبة التي يعاني منها مجتمعنا ففي إحصائية قدر عدد المضبوطات من المخدرات خلال 8 الأعوام الأخيرة على النحو التالي: (950 مليون حبة كبتغون، 245 طن من الحشيش، 428 كيلوغرام من الهيروين)، إن هذه الكميات المضبوطة هي كميات كبيرة جداً بالنسبة لدولة مثل السعودية التي تتمتع ببعدها الديني إذ أن فيها قبلة المسلمين وحجهم وطوافهم وفيها قبر النبي محمد عليه أفضل السلام، فمن المعيب أن يعتبر ثلث المخدرات المضبوطة في العالم يتم ضبتها بداخل وطننا الحبيب، وفي إحصائية للكميات المضبوطة في عامٍ واحد فقط وهو العام 2016، فالإحصائية تفصل كميات المخدرات المضبوطة بمختلف أنواعها وهي كالتالي: (104 مليون حبة كبتغون، 19 مليون و200 ألف حبة إيمفيتامين، 5مليون 800 ألف حبة ترامادول، 693 طن من القات، 7 طن و 270 كيلو من الحشيش، 22.5 كيلو من الكوكاين، 3 كيلو من الهيروين) هذه الأرقام المخيفة تبين حجم المخدرات التي تأتينا من الخارج وأغلب عمليات التهريب تتم عبر أشخاص سعوديين أو بمساعدتهم سواءً كان السعوديين رجالاً أم نساء، حيث أن الدول التي تأتينا منها هذه الآفة هي (قطر، تركيا، اليمن، السودان، مصر، الأردن، لبنان)، ممكن لأي شخص أن يقول ولماذا هذا التهويل؟ بما أن الكميات التي ذكرتموها هي كميات تم ضبطها، صحيح هذه الكميات التي استطاعت قواتنا الأمنية ومكافحة المخدرات من ضبطها مشكورةً، هي بهذا الحجم فما بالنا بالكميات التي تمر بعيداً عن أعينهم ولا يتم ضبطها! فهي بالتأكيد كبيرة، وهذه الكميات التي تم ضبطها تظهر بأن المجتمع السعودي مجتمع مستهلك للمخدرات هذه هي الحقيقة المرة التي يجب أن نقولها مرغمين لأنه لو أننا لم نكن سوقاً إستهلاكياً للمخدرات لما كانت ثلث الكميات المضبوطة لدينا ولما فكر أي أحد أن يأتي بهذه السموم إلى مملكتنا.
تأثير تعاطي المخدرات على المجتمع السعودي:
إذا دخلنا لكي نفند هذه الآفة وتأثيرها على المجتمع هنا تكمن المصيبة الكبرى إذ أن تعاطي المخدرات لم يفرق بين طفل وشاب ورجل وامراة، وإذا دخلنا إلى المجتمع السعودي وقسمنا التعاطي على المناطق فيأتي في المقدمة منطقة جيزان 29.3% تليها الحدود الشمالية 29.1% ومكة المكرمة 28.7%، فيا للخجل نحن السعودية أمة الإسلام وفي قلب مكة قرب بيت الله وحرمه الآمن يتم تعاطي المخدرات بهذه النسبة المهينة للإسلام ولمجتمعنا السعودي والمخجلة لحكامنا أمام العالم، أما إذا دخلنا إلى التعاطي في المملكة بشكل عام فنجد أن نسبة التعاطي بشكل عام 0.7% من نسبة السكان أي (200000 متعاطي سنة 2016) حيث شكل الذكور نسبة تصل إلى 54% بينما شكلت الإناث نسبة 46%، فيما وصلت نسبة الأجانب في السعودية إلى 9%، والكارثة أن 77% من المتعاطين هم من طلاب المدارس والجامعات، 71% منهم من عمر12- 18 سنة حيث سجل أصغر متعاطي تم ضبطه عن عمر 8 سنوات، فكميات تعاطي المخدرات في ازدياد وهذا ما يدق ناقوس الخطر لمعالجة هذه الآفة والحؤول دون أن تتفشى أكثر في جسم المجتمع السعودي لكي لا نصل إلى مرحلة الانهيار المجتمعي.
أسباب تعاطي المخدرات عند الشباب:
فتعاطي المخدرات عند الشباب له أسباب عدة منها:
غياب دور الأهل عن التوعية ومراقبة أبنائهم وكذالك الخلافات الأسرية التي تجعل الشاب يقدم على التعاطي من أجل الهروب من الواقع الذي يعيشه.
رفقاء السوء في المدارس والثانويات والجامعات الذين يقومون بإفساد الشباب ذوي الإرادات الضعيفة والتوعية والارشاد الغائب.
جهل الشاب بأنواع المخدرات وخطورتها فيمكن أن يتعاطاها في البداية من دون أن يدري بأنها مخدرات ويدمن عليها فيما بعد.
البطالة التي تصيب الشباب والرجال تؤدي إلى التعاطي للمخدرات.
هذه الأسباب تجعل من فئة الشباب الفئة الأكثر عرضة للإستهداف من قبل المروجين للمخدرات إن في المدارس والجامعات وإن بمروجي الشارع أو بالأساليب الحديثة عبر تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي.
العلاقة بين تعاطي المخدرات وارتفاع الجريمة:
إذا نظرنا إلى البعد القضائي والجرمي الذي يؤدي إليه تعاطي المخدرات في المملكة فنجد أن 40 % من الجرائم التي ترتكب في المملكة هي تحت تأثير الإدمان حسب إحصائية (مجمع الأمل)، أما القضايا التي تتعلق بترويج وتهريب وتعاطي المخدرات فقد زادت 210 % خلال 15 سنة، وفي آخر 38 شهراً سجلت 85 ألف قضية ترويج وتهريب للمخدرات، و 52306 قضية مخدرات بسنة 1437هـ فقط، فالترويج للمخدرات يتم عبر عدة وسائل منها صفحات ومواقع التواصل الإجتماعي وكذلك دخول العامل النسائي الى عالم ترويج المخدرات حيث ضبطت 135 حالة تهريب للممنوعات عن طريق النساء في 2015.
سبل علاج مشكلة المخدرات من كل جوانبه:
المخدرات لم تستثني أحداً، الأطفال والشباب، الذكور والإناث، المواطن العادي والأمير(فتعلمون أن لدينا أميراً قبض عليه في إحدى الدول العربية أثناء تهريبه مليون حبة كبتغون)، وكلهم وقعوا في فخ المخدرات، ولحل هذه المشكلة المستشرية في مجتمعنا فيجب:
أولاً: أن نبدأ بالأسرة حيث أنها ركيزة المجتمع والطود الذي يبنى عليه أي وطن، فيجب أن تحافظ الأسرة على تماسكها وتلاحمها حيث يجب على الأهل لعب دورهم في التوعية والتنبيه من المخدرات والعمل على مراقبة الأبناء بشكل جيد والحرص على عدم وقوعهم فريسة رفقاء السوء، حتى وإن وقع أحد أفراد الأسرة في التعاطي يجب مساعدته من أجل أن يتعافى من هذه الآفة لأن التعاطف الأسري يجنب إنتكاس المدمن، ففي إحصائية 60% من المدمنين ينتكسون بعد العلاج بسبب ندرة الأسرة.
ثانياً: المؤسسات التربوية أي المدارس والجامعات يجب أن يكون هناك مواد ضمن المناهج الدراسية تشرح المواد المخدرة والضرر التي تتسبب به وكيفية الإبتعاد عن الأشخاص المروجين والتبليغ عنهم فهذه مسؤولية وزارة التعليم وكذلك جهاز مكافحة المخدرات والجمعيات التي تعنى بهذا الشأن.
ثالثاً: الدعاة والخطباء ولهم الدور الكبير بشرح حرمة هذه الآفة وأهمية التبليغ عن أي مروج أومتعاطي للمخدرات والتوعية على المنابر بدل التطرق إلى مواضيع أقل إلحاحاً من هذه القضية، فكما هو المعلوم بأن زرع الوازع الديني لدى أي فرد يجعله يرتدع عن تعاطي المخدرات خوفاً من الوقوع في المعصية وارتكاب الحرام.
رابعاً: دور الأجهزة الأمنية في مكافحة المخدرات من حيث ضبط المهربين والمروجين والمتعاطين، فالأجهزة يجب أن تتعاون مع الأسر بشكل أكبر لكي يتم ضبط المتعاطي والمروج للوصول إلى المهرب والممول.
خامساً: تغليظ العقوبات عبر سن قوانين أكثر قسوة وتنفيذ الأحكام أمام الملأ لكي يكون عبرة لمن تسول له نفسه تهريب وترويج المخدرات.
سادساً: يجب أن يزرع في المجتمع تقبل المتعاطي والاسراع في علاجه وعدم الخجل من أن هناك بالأسرة متعاط أو مدمن مخدرات لأن نبذه يفاقم وضعه ويأخر علاجه وكذلك الشفاء من الإدمان، ومن أجل إحتواء هذه الظاهرة يجب أن نضاعف عدد المراكز الطبية في المملكة لكي تستطيع احتواء هذا العدد الكبير من المتعاطين، والحرص على تقديم للمطعاطي برنامج متكامل عصري يعيده إنسانا فاعلاً في المجتمع وليس منبوذاً منه.
هل نجحت الإجراءات المتبعة:
رغم كل الإجراءات التي اتخذتها المملكة لمواجهة تفشي المخدرات في المجتمع السعودي إلا أن هذه الآفة مازالت تنموا وتتغلغل في مجتمعنا حاصدةً زهرة شبابنا وشاباتنا ومخلفةً كوارث في الأسر التي يعاني بعض أفرادها من الإدمان، مما يدل على فشل إجراءاتنا في مواجهة إنتشاره والحد من التهريب والترويج والتعاطي للمخدرات. ولا يسعنا ختاماً إلا أن ندعو الله آملين منه أن يعين الجميع في الحد من هذه الآفة والقضاء عليها بأسرع وقتٍ ممكن.