مبارك الفقيه_ خاص راصد الخليج-
تواصل الأجهزة الأمنية والعسكرية في المملكة السعودية محاربتها التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها "داعش"، وذلك في توجّه داخلي جديد للمؤسسة الرسمية تقاطع مع رغبة أميركية ودولية في ضرب وإضعاف نفوذ وقدرات هذه التنظيمات، ولا سيما بعد التهديدات المباشرة التي وجّهها أبو بكر البغدادي بتحويل السعودية إلى براكين متفجّرة، وقد حققت هذه الأجهزة في السنتين الماضيتين سلسلة إنجازات تمثّلت بإلقاء القبض على العشرات من المجموعات الإرهابية العنقودية، وتفكيك خلايا أخرى كانت تخطّط لاستهداف منشآت وشخصيات وتجمّعات عسكرية ومدنية داخل المملكة.
خلايا منتشرة وعناصرها سعودية
ولكن الحالة التفاؤلية التي يعكسها الإعلان عن هذه الإنجازات تخفي في وجهها الآخر صورة سلبية وقاتمة عن الواقع الأمني الذي بات يتهدّد المملكة، حيث تظهر الأرقام والمعطيات أن معظم العناصر الداعشية التي يتم القبض عليها هي سعودية، والباقي ينتمي إلى دول عربية أخرى مثل السودان وتونس واليمن وليبيا وغيرها من الدول العربية التي وجدت فيها داعش موطئ قدم، وتم استدراج أبنائها إلى أرض الجهاد في اليمن وسوريا والعراق.. والسعودية؛ أما الجزء الثاني من الصورة القاتمة فيتمثل في انتشار هذه الخلايا في المدن والمناطق السعودية وأبرزها الرياض ومكة المكرّمة والمدينة المنوّرة. وإذا ما أجرينا مطابقة على هذين الجزءين فقط (الانتماء وخارطة الانتشار) لوجدنا أن داعش يتحرّك في بيئة داخلية آمنة توفر له العمل بحرية في أراضي المملكة وتؤمن له الحماية والغطاء اللازمين.
داعش في بيئة آمنة
ولكن ما الذي يجعل داعش "يتمتّع" بهذه البيئة الآمنة في السعودية؟!
لا شك في أن الداعشيين، منذ أن بدأت إرهاصات كيانهم بالظهور الى العلن في أوائل الألفية الثانية، اتخذوا ولا يزالون من السعودية المستقرّ الذي ينطلقون منه لتحقيق هدف "إنشاء الخلافة الإسلامية"، والملاذ والحضن الدافئ الذي يعودون إليه لإعادة شحذ الهمم و"السيوف" والاستفادة من موارد التغذية فيها، باعتبار أن المملكة هي الخزّان البشري والمالي والعقائدي الذي يغذّي شرايين الجسد الداعشي، ولا يجد الداعشيون أنفسهم في كيان غريب عنهم، فهم من أبناء البلد وترعرعوا في مدنه وقراه وشوارعه، وبالتالي فهم لا يشعرون بأنهم في تهديد داهم عليهم في أماكن استقرارهم وتجوالهم.
داعش وعبد العزيز بن سعود
أما الجانب الأخطر الذي يوفّر للداعشيين الأمان فهو الفكر السلفي الذي يحرّك هؤلاء، وهو فكر لا يجد معظم السعوديين أنه غريب عنهم، لا بل ستجد الكثير من الذين يتعاطفون مع الدواعش لأنهم يستحضرون الفكرة السلفية الأولى التي انطلق منها عبد العزيز بن سعود أول ملوك المملكة السعودية الحديثة، اعتباراً من العام 1900، ليحارب أعمامه ويثور على "الخلافة الإسلامية"، التي كانت تتمثل بالسلطنة العثمانية آنذاك، ويحارب المذاهب"المخالفة للسلف الصالح وأتباع البدع والزندقة"، فسيطر على الرياض ومكة والمدينة وأسس دعائم مملكته، ثم زحف بجيوشه – بدعم مالي وعسكري وبريطاني – إلى الشام ثم العراق وحاصر النجف وكربلاء بهدف هدم "صروح الكفر"، فيها مما جعل الشيعة يستنفرون ويتسلّحون دفاعاً عن مقدّساتهم.
حما الله المملكة
تتقاطع المعلومات لتشير إلى أن داعش، ولا سيما في السنوات العشر الماضية، نجح في بناء خلايا وكيانات اجتماعية ومالية في معظم المدن والمناطق الرئيسية في المملكة، وكذلك في توفير أكثر من 300 ألف قطعة سلاح فردية ومتوسطة مع ذخائرها، وتخزينها في مستودعات متفرّقة، مع تأمين سبل الوصول إليها بسرعة وسهولة حين إعطاء الأوامر بالتحرّك؛ وفي ظل ذلك تكثر التحذيرات من أن ما يحصل في العراق وسوريا وتقهقر المشروع الداعشي فيهما، سيقود إلى رفع حرارة التحضيرات الداعشية للتحرّك داخل المملكة، حيث لن يجد عناصر التنظيم الذين يُرحّلون من سوريا والعراق ملجأ لهم إلا السعودية، حيث سيعيدون تجميع أنفسهم والانطلاق من جديد لتحقيق حلم الخلافة وتأسيس الدولة..