فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-
"تنويع اقتصاد المملكة".. مفتاح دخول الشيطان إلى الأرض، يريد الإقامة كواعظ يهدي ويرشد إلى سواء السبيل، لكنه يظل شيطانًا، جاء ليهدم كل شيء، مرتديًا أفخم الحلل العصرية، ويتحدث بلغة إنجليزية، حاملا ملفات وأرقام لا يفهمها مسؤول واحد.
في البلد التي نهضت واضطلعت بدور طليعي في العالم الإسلامي، يجري عن طريقها الآن "تفسيخ" المنطقة وشرذمتها، بإتباع إحدى الحيل القديمة، بع منزلك وأجر منزلًا أكبر وأفضل، فتتحول بين عشية وضحاها من مالك إلى رهينة لدى أصحاب المنزل الجديد، هذا هو اختصار الحال الذي نقبل عليه مع "الخصخصة".
ترشيد الإنفاق والتحول إلى إدارة ذكية وتنويع الاقتصاد، كلها عوامل يصدرها الأمير بن سلمان للإعلام، ولا يفتأ يذكرنا به رجاله ليل نهار، على الشاشات وفي أوراق الصحف وعلى أثير الإذاعات، لكن لنجرب التساؤل، هل سيتغير الحال إلى الأفضل، وهل نحن أفشل من إدارة مستشفى أو مطار.
الإجابة أن الفشل هو فشل حكومي، وسيطرة التكلس على كبار موظفي الدولة، لا يمنح صك الاستمرار في الوظيفة إلا رضا المقام السامي وحده، لا إنجاز ولا كشف حساب يثمر في تغيير واقع سوء الإدارة وسوء الاختيار على كل المستويات بالبلد.
16 قطاعًا، عدا "أرامكو"، ستعرض في الأسواق العالمية لمن أراد أن يستثمر أمواله هنا، المشروعات الغذائية مثل صوامع الغلال والأندية الرياضية ومستشفيات ومراكز أبحاث، عُرف منها مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركزه البحثي، و55 مركزا صحيًا في الرياض وحدها، بالإضافة إلى قطاع بناء وإدارة المباني المدرسية.
تشمل "رؤية 2030" أيضًا خطط واسعة لخصخصة قطاع الخدمات، مثل الكهرباء والمياه، حيث سيجري تقسيم شركة الكهرباء إلى 4 شركات مستقلة تُهيأ لطرحها أمام شركات عالمية من القطاع الخاص، أما المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة فسيتم تحويلها إلى شركة قابضة مساهمة تطرح أمام المستثمرين، وفي قطاع الطيران، سيتم طرح جزء من الخطوط الجوية السعودية.
ورغم عدم الإفصاح رسميًا عن الملامح النهائية لعملية طرح الأصول الوطنية في الأسواق العالمية، إلا أن الملامح المذكورة في "رؤية الشؤم"، تشمل خصخصةَ القطاع الطبي والأدوية، وخصخصة العديد من المستشفيات، وخدمات الرعاية الصحية، وفي قطاع الاتصالات ستشمل البريد بالكامل وإسناده لجهة مستقلة، وفي الشؤون البلدية خصخصة خدمات النظافة وتدوير النفايات، وفي المجال الزراعي إدارة الأسواق وخدمات الصيد، والمتنزهات الوطنية، إضافة إلى التعليم الأهلي ورياض الأطفال.
ماذا تبقى إذن من المملكة..
خطة الأمير أو "رؤية 2030"، كما يطلق عليها إعلامه، تقول أن خطة الخصخصة ستجلب عائدات تقدر بـ200 مليار دولار، دون وضع "أرامكو" في الحسبان كما أسلفنا، وهو رقم ليس بالإعجاز ليبرر انسحاب الحكومة تمامًا من المشهد، وبيع أغلب الخدمات العامة للأجانب.
موازنة المملكة العام الماضي 2016، شهدت تحقيق إيرادات فاقت 137 مليار دولار، ولو تحسنت الإدارة، وأمسك بدفة الاقتصاد الوطني من هم أهله، لزادت الإيرادات بكل تأكيد، خاصة في ظل تعافي أسعار النفط بالأسواق العالمية، ما يعني أن العائد من خصخصة كل هذه القطاعات من الممكن تحقيقه "حسابيًا" في فترة قليلة فقط بقليل من الرشد.
الأخطر في حسابات الاقتصاد أن رأس المال هو سيد السوق، سيد بلا جنسية، وفضحت تقارير أجنبية عديدة تدخل مكتب يرأسه يهودي في عملية تجهيز طرح "أرامكو"، وهو إن كان محدود التأثير، باعتبار الحصة التي ستطرح لن تتجاوز 5% حاليًا، فان الأمر جد خطير، إذا كانت القطاعات المعروضة تشمل التعليم والصحة والكهرباء والمياه، أي لوازم استمرارية الحياة والوطن.