مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
لطالما شّكلت إيران، ولا تزال، العقدة الأساسية أمام منشار السياسة الأمريكية في المنطقة العربية والإسلامية، أو ما يطلق عليه الغرب تسمية "الشرق الأوسط"، ولم تكن العلاقة مع بين المملكة العربية السعودية على ما يرام في يوم من الأيام، ما خلا هدنات مؤقتة فرضتها مجموعة عوامل تقتضيها ظروف الجيرة الجغرافية، ولكنها سرعان ما تنهار هذه الهدنات لتعود بؤر التوتر للاشتعال من جديد، وهي اليوم تتنامى لتبلغ أعلى درجات الغليان، ولاسيما على خلفية الملفات المتداخلة من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين.
اليمن ساحة المفاجآت
لعل التطوّرات الدراماتيكية والمتسارعة التي جرت على الساحة اليمنية خلال الأيام القليلة الماضية، وأبرزها مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح وعدد من أركان قيادته، وما اتصل بذلك من اهتزاز لحزب المؤتمر الشعبي العام ولجوء نجله أحمد إلى الرياض بعد احتضانه من قبل دولة الامارات العربية والمتحدة، يظهر أن هناك الكثير من الشوائب التي تطال عملية إدارة الأزمة في اليمن، ولم يعد مهمّاً اكتشاف طريقة مقتل صالح، سواء أكانت عبر التصفية المباشرة من قبل الحوثيين أم قصف موكبه من مركبات عسكرية لاحقته، أم بواسطة صاروخ أطلقته طائرات التحالف الحربية للحيلولة دون وقوعه أسيراً في يد الحوثيين، مع ما يعني ذلك من فتح الباب أمام كنز من الأسرار القديمة والجديدة عن ماضي اليمن القريب وعن مستقبله المرسوم سعودياً ودولياً.
ما هو مهم اليوم هو إلى أين تتجه المملكة في إدارة ملفّات المنطقة، وهي التي تتحضّر لانطلاقة اجتماعية - سياسية جديدة في عهد ولي العهد الشاب محمد بن سلمان؟ وكيف ولماذا فشلت الرياض إلى حد الآن في الخروج من المستنقع اليمني؟ فقد كان المتوقّع هو الاتجاه إلى حسم الأمور هناك بشكل سريع وسلس، لتمهيد الطريق أمام المباشرة العملية لمشروع نيوم NEOM وإزالة كل العقبات التي قد تعترض طريقه، وفي مقدّمتها التخلص من التهديد الحوثي المباشر لمضيق باب المندب، ولكن يبدو أن المسألة مرجّحة إلى مزيد من التعقيد، وبات على السعودية العمل على إعادة لملمة الوضع وإعادة الانطلاق من جديد، أو الاتجاه إلى الاقتداء بنصائح الكاتب الأمريكي الحريص على السعودية توماس فريدمان.
الانتقام من طهران
فريدمان وجّه، في مقال نُشر بصحيفة نيويورك تايمز الأميركية نشر مؤخراً، مجموعة من النصائح للأمير محمد بن سلمان، وركّزت بمعظمها على كيفية التعامل مع التمدّد الإيراني في المنطقة، لا سيما بعد تعاظم الدور الإيراني في إدارة دفة القضايا في أكثر من بلد، وتحوّلها إلى قضية محورية عالمية بما تملكه من أذرع أخطبوطية مؤثرة على أكثر من صعيد، وبات الجميع يضع "القوة والنفوذ المتناميين لإيران في اعتباره، وهذا الهوس يدفع الكثير من الناس إلى الجنون"، بحسب تعبير فريدمان، الذي أضاف أن أقصى ما يمكن للولايات المتحدة والسعودية فعله هو التوقُّف عن تكدير نفسيهما بهذا التهديد الإيراني، والتركيز على أجندات الإصلاح الداخلي لدى كلٍّ منهما، وسيكون ذلك هو أفضل انتقامٍ من طهران".
ولا بد لهذا الانتقام من تشجيع أمريكي - أوروبي - عربي لابن سلمان، الذي يتحضّر لاستلام الملك قريباً، على "الرجوع عن منعطف اليمين الديني وإعادة الإسلام السعودي إلى الاعتدال، وتشجيع الشباب للتركيز على الاقتصاد والوظائف والتعليم، وليس على إيران، وهذا سيدفع حملته نحو الإسلام السعودي المعتدل"، ويؤكد فريدمان أن "السعودية بحاجةٍ لإنهاء الحرب الآن، والخروج من اليمن، حتى لو كان ذلك يعني ترك بعض النفوذ الإيراني وراءها".
ابن سلمان وكسر الصمت
للمناسبة فقد خذلت مجلة "تايم" الأمريكية محمد بن سلمان واختارت مجموعة نساء "كاسرات الصمت" كشخصية العام 2017 بديلاً عنه، وقد اختارت المجلة في عدد من السنوات الماضية مجموعة شخصيات بدل شخصية واحدة، فكانت شخصيتها في العام 2011 شباب "الربيع العربي"، وفي العام 2014 "مكافحو الايبولا"؛ ولعلّها إشارة مباشرة للأمير الشاب ورسالة واضحة تحمل مضمونين في المعنى. الأول: أن قضايا التحرّش الجنسي تحتل أولوية في قضايا المجتمع في العالم بما يمسّ حرية المرأة وصون شخصيتها المستقلة، والثاني: تحريض مباشر لابن سلمان ليكسر الصمت.
ولكن أي صمت يريد الأمريكيون من ابن سلمان كسره؟! هل هو المزيد من إسقاط القيود المفروضة على المرأة السعودية باتجاه "غربنة" النموذج العربي للمرأة كمقدّمة لدخول السعودية في عالم التحضّر والتمدّن، أم إسقاط الانتماء العربي والإسلامي للسعودية والاتجاه نحو البيئة المعولمة التي يروّجها الغرب كعنوان للعالم الجديد، مع ما يفرضه ذلك من طلاق وافتراق للسعودية مع محيطها، وهذا ما يجعل السعودية بمثابة حصان طروادة الذي سيجّر معه باقي الأطراف الصغيرة التي تسير في فلكها من إمارات ودول تابعة، وبالتالي تكون المملكة - وفق نصائح فريدمان - الحصان الأمريكي الأسود، إلى جانب "إسرائيل" باعتبارها الحصان الأمريكي الأبيض.