فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-
حفل موسيقي لـ"ياني"، وعرض لأغاني "أم كلثوم"، وتراخيص للسينمات للمرة الأولى في تاريخ المملكة، وقرار بقيادة المرأة للسيارة، أحداث غريبة عن المجتمع السعودي حدثت، أو تدخل حيز التطبيق في العام المقبل 2018، فماذا بقى بعد من الدولة التي نعرفها.
الحقيقة أن المملكة تشهد تحركات غير مسبوقة من الناحية الاجتماعية، تحركات تضرب ثوابت الدولة والناس، في ظل توجه شامل يذهب إلى أن الطريقة الأمريكية هي الطريقة المثلى لإقامة دولة حديثة وعصرية، تليق بالألفية الجديدة، وتستطيع أن تكون "دولة مثال" في منطقتها والعالم.
منطلقًا من حقيقة أن العظماء يعيدون كتابة التاريخ، ولا يكتفون بالسير على منهاج السابقين، يحلم محمد بن سلمان أن يكون الرجل العظيم الذي يعيد تشكيل تاريخ المملكة، ومن ثم، يحاول إعادة تشكيل الخليج، وصولًا إلى كتابة مستقبل جديد للمنطقة، يكون هو ملهمه وقائده.
راية التجديد التي رفعها "بن سلمان" لا تشمل المجتمع السعودي فقط، لكنها تمتد خارجيًا، إلى دول مجلس التعاون الخليجي، ثم إلى المنطقة العربية، وبعدها العالم الإسلامي، الذي تتمتع فيه المملكة بمركز لا يضاهى، مستفيدًا من تراكم فوائض النفط، ومتسلحًا بإرادة الحليف الأمريكي، صاحب الفضل الأول في تسريع صعوده إلى منصب ولي العهد.
المجتمع السعودي المحافظ يتوق بالفعل إلى تغييرات حقيقية، تشمل فتح المجال العام أمام الشعب، والمشاركة في اتخاذ القرار، ومشاهدة الحلقة الضيقة حول الحكم تتسع، وبناء دولة حديثة تعمل لصالح مواطنيها أولًا وثانيًا وأخيرًا.
السؤال الذي ينبغي طرحه: هل هذا هو توجه ولي العهد؟!
مشروع الدولة الوطنية الحديثة يبني أساسًا على المساواة بين المواطنين، دون تمييز، وهو مشروع العالم الغربي المتحضر، مشروع إنساني يسمح بالترقي الطبيعي لمن يملك المؤهلات إلى المناصب العليا، ولا يحجزها مسبقًا لفرع من أسرة حاكمة.
الشواهد تؤكد أن التوجه الحالي لصانع القرار في المملكة، وهو قطعًا ولي العهد، نتيجة خطة أمريكية -لن نتورط لنجزم أنها ضغوط- لتهيئة المملكة لقيادة عصر جديد في المنطقة، تكون فيه "المثال" الذي تتمنى بقية الدول العربية، وربما الإسلامية، الوصول إليه، عبر البوابات الأمريكية.
المخططون الأمريكيون يعودون إلى إستراتيجية كوريا الجنوبية، صنعوها في نهاية الخمسينيات، كـ"دولة مثال" لمنطقتها، ومنحوها كل التسهيلات، من فيضان الاستثمارات، إلى المصانع والتدريب والشراكات التجارية غير المشروطة، ليحولوها إلى شكل استهلاكي يجتذب أفئدة دول جنوب آسيا، في مواجهة نصف دولتها كوريا الشمالية، التي التحقت بالركب السوفيتي.
كوريا الجنوبية التي لا تعدو أن تكون ولاية أمريكية بالكامل، بانتشار الجيش الأمريكي فيها وسياساتها الخارجية، وتبعيتها على المسرح الدولي، يُروج لمستوى معيشة سكانها، والمدى الواسع لحرياتهم الشخصية، في مقابل الانغلاق الكوري الشمالي، وتريد أمريكا أن تكون المملكة كوريا الجنوبية لا الشمالية.
غالبية استهلاكنا من المنتجات التكنولوجية فائقة الجودة يأتي مختومًا بعلامة صنع في كوريا الجنوبية بالفعل، وسياراتنا تأتي الآن من هيونداي وكيا الكوريتين، هذه حقيقة صنعتها إدارات أمريكية رغبت في نقل التقدم لكوريا، لكن لم تصنعها إرادة نظام حكم أو شعب.
ورغم أن كوريا الشمالية تبدو نموذجًا منعزلًا، لا يحمل الإعلام عنه إلا أقل القليل، وهو في معظمه دعاية أمريكية مدفوعة الثمن، إلا أن بيان رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون بشأن القدس يرسم طريق المستقبل لدولة عربية إسلامية، أكثر مما يرسمها التقدم الزائف في جارتها الجنوبية.
السيد كيم صرخ ضد القرار الأمريكي بشأن القدس، فيما أيدته كوريا الجنوبية، وهو ما يوجب علينا أن نختار خطوتنا الأولى في سبيل اللحاق بركب عالم قوي، أكثر من كوننا نحتاج لركب خدم أمريكا.