فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-
بعد مضي عشرات السنين على الحرب العالمية الثانية، لا تزال تحفل مسيرتها بالدروس الأهم، سواء على صعيد التكتيكات العسكرية، أو مآلات الدول والأنظمة، التي تعتمد العدوان والظلم سبيلًا للسيطرة الغاشمة.
بعد سنوات ثلاث من انطلاق أول قذيفة على ميناء "دانزك" البولندي، وحتى العام 1942، كان الألمان يتمتعون بحياتهم الطبيعية، ومدنهم الكبيرة تزداد بهاء على بهاء، فيما كانت كل العواصم الأوروبية –عدا باريس المستسلمة- عبارة عن أنقاض، وكانت الجثث والموت والدمار هي مشهد صباح أوروبا كلها.
استفاد النازي من الاستعداد الباكر للحرب، التي اختار وحده متى يشعلها، وسيطرت قواته الجوية على السماء، وكانت جيوشه تكتسح مدن القارة العجوز، كسكين يشق طريقه في زبد طري، لا يملك له أحد دفعًا، كقدر يفرض ذاته على أي مقاومة بشرية.
يتشابه ماضي هتلر كثيرًا مع واقع الحرب في اليمن.
بعد ثلاث سنوات أيضًا بدأت الصواريخ اليمنية تعرف طريقها إلى قصر اليمامة، في رسالة يبدو أنها لم تعرف طريقها لعقول الحاكم بأمره في الرياض.
أراد بن سلمان ومن والاه من حاشيته التمدد إقليميا، ولم يدري أي من مستشاري السوء أنه اتساع على حساب البيت ذاته، يودون لو ضموا الأرض كلها إلى حكمه، متغافلين عن الحقوق المشروعة للشعوب في المقاومة، والوعد الإلهي بالنصر، والوعيد بالانتقام من ظالمي أنفسهم وأخوتهم.
تنهمر القذائف الأمريكية الصنع على اليمن فترتج بيوتنا وتهتز قلوبنا حزنًا، بلا طائل سوى زعامة فارغة، يظن من أثمه أن أرض اليمن ستفتح ذراعيها للقادمين بعتادهم وسلاحهم، فتفتح اليمن قبورها، التي ما شبعت أبدًا من المعتدين.
في درس اليمن –المستمر- تصرف بن سلمان ضد مصالح الأغلبية من الشعب السعودي، بدد عوائد النفط، وهو محدود الكمية والزمن، على مغامرات تورث القلوب نارًا لن تنطفئ، ورهنت العدوان في الحاضر عوضًا عن البناء للمستقبل، فكان "كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا".
الاقتصاد هو الآخر دخل في منعطف جديد في بداية 2018، سلسلة من الإجراءات لا تهدف فقط لوقف عجز الموازنة المتنامي، لكن متخذ القرار بالقطع يريد المزيد لتمويل الحرب في العام الجديد، وهي الكارثة الحقيقية وراء الارتفاعات المذهلة في أسعار السلع والخدمات.
قدم الإعلام رؤية اقتصادية "2030"، وكأنها المنجية من سوء إدارة موارد المملكة، لكن يقدمها على من أحال حياة المواطن إلى سلسلة من المصاعب، حتى أنه جرى تقليد دول عربية في رفع أسعار النفط، الذي تمنحه أرضنا بلا مقابل، وكأننا نستورده كأشقائنا في مصر والأردن!.
رؤية 2030 التي يعلن إعلامنا ليل نهار أنها إنجاز، لا نرى منها إلا أنها توابع هزيمة وبوادر سقوط داخلي مبكر، فالأنظمة غير العاقلة فقط هي من تبحث عن أصعب السبل لتوفير موارد إضافية لحرب عبثية، والسبيل هنا كان المواطن.
إلى جانب الثروات المهدرة في سباق تسلح مع الشعب اليمني، تتراكم الأسلحة الصدئة في مخازننا، وكأن ما صدأ قبلها لم يفلح في إقناع جنرال الثلاثين بمصيبة من سبقوه، وكأن الهدف شراء رضا "ترامب" ولتذهب مئات المليارات هدايا مجانية للقوة العظمى.