مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
إلى أين سيأخذنا مستنقع اليمن؟ وإلى متى ستستمر محنة الاستنزاف اليمني للمملكة في حرب دخلت سنتها الثالثة وفي كل يوم يتناقص الرصيد؟ ولماذا نستمر بهذه الحرب وقد وصلت صواريخ الحوثي إلى عقر دارنا وبتنا نخبئ رؤوسنا في كل مرة نسمع فيها صوت الألعاب النارية فنخالها أنها ستسقط على منازلنا وبيوتنا؟ هل سيصل الوقت لنستفيق ونرى أن محنة أبنائنا قد انتهت ونشعر بالأمن الحقيقي قد ساد ربوعنا.
متى وأين يسقط الصاروخ التالي؟
ليست هذه الأسئلة سوى عيّنة من دوافن تفكير كل مواطن سعودي يقطن في الرياض وجدة، فكيف بأبنائنا الذين يسكنون في المناطق الحدودية الذين يسمعون بأمّ آذانهم قرقعة الآليات العسكرية ودوي المدافع وأزيز الرصاص؟ لقد بات الكابوس الحوثي يقض مضاجعنا وها نحن اليوم نستمع إلى إعلان ناطقهم العسكري يعلن مرحلة جديدة من الحرب، وكأنها ستنتقل إلى شوارعنا تهدّد استقرارنا وأعمالنا.
وليس الحوثيين فقط من بات يهدّدنا، بل إن الصور المتتالية للأطفال المقطعين أشلاء التي تنتشر على مواقع الانترنت وشاشات التلفزة أصبحت تشكّل مادة لهذا الكابوس، ولا نملك أجوبة على أسئلة أطفالنا الذين نضحك عليهم ونقول لهم إن هؤلاء أطفال قضوا في زلازل في أقصى البقاع الآسيوية، وأن ما يرونه من حالات جوع ومرض موجودة في بلاد مجهولة في أدغال أفريقيا.
كنا بدأنا نشعر فعلاً أن المملكة، التي يرعاها الله بجهود طويل العمر وولي عهده، قد باشرت مرحلة جديدة من التطوّر والنمو والانفتاح الثقافي والحضاري على العالم، وباتت الأسرة السعودية تتنفّس الصعداء مع حفلات الترفيه وارتياد ملاعب كرة القدم، وحضور المهرجانات الغنائية المختلفة، ولكن هذه الفعاليات لم تنجح حتى اليوم في إشاحة النظر عما يجري على الحدود الجنوبية للمملكة، لا بل أصبح الناس يترقّبون الصاروخ الحوثي التالي، ويدعون الله أن تتمكن صواريخ الباتريوت الأمريكية من ردع هذه الصواريخ بفعالية.
الاعلام الأمريكي معادٍ للسعودية
ومن المؤكد أنه لا يمكن الاستمرار في هذه الحرب من دون الدعم العسكري الأمريكي الجوي واللوجستي للطائرات السعودية والإماراتية، والخوف كل الخوف من انسحاب القوات الأميركية من التحالف الخليجي، لا سيما أن هذه الحرب لا تشكل تهديداً مباشراً للولايات المتحدة، ولذلك لا بد من بذل جهد مكثّف على الإعلام الأمريكي الذي يشنّ حملة منظّمة على المملكة مطالباً بإنهاء ما أسماه "الحرب غير الشرعية في اليمن"، وتجرّأت صحيفة "نيويورك تايمز" على اتهام التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات العربية المسؤولية بـ "شن حملة وحشية تشارك بها الولايات المتحدة أسفرت عن ارتكاب مجازر في اليمن وتعمّد حصار وتجويع الملايين من اليمنيين كتكتيك شرير من تكتيكات الحرب".
هل خسرنا الحرب؟
ثلاث سنوات ولا يزال النزف مستمراً، وعشرات المليارات التي يأمل الامير محمد بن سلمان استرجاعها من الأمراء الفاسدين قد تسدّ عجز الموازنة الذي تجاوز الـ 60 مليار دولار، ولكنها لن تكفي لتمويل الحرب المستمرة والتي قدّرها خبراء اقتصاديون بأنها قاربت الـ 1500 مليار دولار، فكيف لو استمرت الحرب ثلاث سنوات أخرى؟! من المؤكد أننا سنكون في وضع كارثي، حيث لا يظهر في الأفق أن الحوثيين الذين أزالوا من أمامهم عقبة علي عبد الله صالح وقطعوا الطريق أمام انقلاب داخلي عليهم، بوارد الاستسلام ويبدو أن الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي والإنساني لم يفلح في وقف اندفاعة "قرود الجبال"، بل هم الآن يهدّدون بنقل المعركة إلى مستوى جديد مع إعلانهم عن إسقاط 3 طائرات حربية للتحالف، فماذا يعني ذلك؟
صواريخ باليستية وسلاح دفاع جوي وتهديد حوثي للعمق السعودي وسيطرة متنامية على الميدان الحربي يقابله أزمة اقتصادية تعصف بالمملكة وارتفاع الأسعار والضرائب وترنّح سياسي واضح لدى واشنطن وإدارة دونالد ترامب وانكسار أمريكي أمام إيران وتهديد روسي مباشر بالتدخّل في حرب اليمن.. ماذا تبقى لنفعله؟ كانت جماعة الحوثي في ما مضى تعرض التسوية ورفضناها، ولكن هؤلاء أصبحوا اليوم مصرّين على استمرار المواجهة، وهذا بحد ذاته يشكّل تحدّياً للقدرات العسكرية السعودية - الإماراتية، وإذا ما بادرنا إلى تصحيح الموقف فلن تستطيع هذه الآلة الصمود أمام العناد الحوثي وبالتالي سنخسر الحرب.. ومعها كل مستقبل بسعودية جديدة.