مبارك الفقيه - خاص راصد الخليج -
تواتر الكثير من الأخبار والمقولات عن وقائع وخلفيات زيارة "الساعتين" السريعة التي أجراها ولي عهد المملكة السعودية محمد بن سلمان إلى إمارة الكويت، وسلّط معظمها الضوء على جانب مظلم من مجرياتها، ولعلّ أفضل الحالات من هذا الحديث يقود إلى التنبؤ بحصول أزمة جدّية بين البلدين الشقيقين، والسبب المحوري فيها هو النفط.
ولا يمكن الإنكار أو الإغفال عن أن العلاقة بين الكويت والسعودية مرّت على مدى عقود من الزمن في حالة تأرجح وتجاذب وتخلّلها الكثير من التوتّر والخلافات، وهذا أمر طبيعي بين دولتين تعتمدان في بنائهما الاقتصادي والتجاري على النفط ومتعلّقاته من الصناعات الكيمياوية، ويتشاركان مناطق وحقولاص نفطية متداخلة بشكل وبآخر، وعلى الرغم من بيان وزارة الخارجية الكويتية وكلام أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح الدبلوماسي والإيجابي عن زيارة ابن سلمان وبرنامجها ونتائجها، إلا أن العبارات المستخدمة في البيان جاءت عامة، ولم تتضمن نفياً مباشراً لحصول خلاف، بل وضعته في خانة الشائعات التي تريد تخريب العلاقات الأخوية.
ولكن في المقابل، ما رشح عن مصادر الوفد الأميري في الكويت المولج باستقبال ابن سلمان يوحي بعكس ما ورد في البيان، حيث قال إن أجواء الزيارة "كانت متوتّرة، ولم يتم توقيع أي اتفاقية تجارية أو سياسية كما كان متوقّعاً"، ولا يمكن تفسير تأجيل الزيارة ليوم واحد إلا أنها كنوع من الضغط غير المباشر على الكويت، فضلاً عن قيام وزير الخارجية عادل الجبير باستباق وصول ابن سلمان إلى الكويت بساعات قليلة لاستكشاف الأجواء تحضيراً للموقف النهائي الذي أعلنه ولي العهد، دون تحقيق أي نتيجة سوى التأسيس لأزمة جديدة في دفتر الأزمات السعودية، وأصبحت الكويت طرفاً فيها.
إلا أن الذي يجدر التوقف عنده أن هذه الزيارة وما ثار حولها من غبار أسود جاءت بعد مطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من دول الخليج وفي مقدّمتها السعودية بإنتاج أكبر من النفط، وهي في الواقع لم تكن مطالب بقدر ما كانت أوامر أطلقها ترامب بعنجهيته المعهودة، وترافقت مع خطاب تهكّمي مباشر للعرب عموماً ودول الخليج والسعودية خصوصاً، فضلاً عن التهديد المباشر إلى ملك السعودية حين قال: "لديك تريليونات الدولارات ومن دوننا لا أحد يعرف ماذا قد يحصل؟.. ربما لا تستطيع الاحتفاظ بطائراتك وقد تتعرض للهجوم، ولكن طائراتك بمأمن لأننا نحن من يؤمن لها الحماية"، وهذا ما دفع ابن سلمان إلى التوجه نحو الكويت طالباً تشغيل حقلي "الخفجي" و"الوفرة"، اللذين يوفّران إمداد السوق بـ500 ألف برميل يومياً، لتلبية الطلب الأمريكي.
وبقطع النظر عن إمكانية السعودية توفير ما يمكن أن يضخّه الحقلان الكويتيان من إمدادات نفطية، إلا أن الحديث في الأروقة الخليجية بدأ بالتواتر حول الأسلوب الذي يتّبعه ولي العهد السعودي في التعاطي مع الأشقاء الخليجيين، والذي يتماثل إلى حد كبير مع الأسلوب الأمريكي الراهن تجاه العرب، وكأن ابن سلمان قد اقتبس اللغة الترامبية في خطابه إلى نظرائه وشركائه في دول مجلس التعاون الخليجي، وأصبح يحوّل الابتزاز الأمريكي للسعودية إلى أداة يبتزّ بها العرب إرضاء لترامب!! هذا فضلاً عما يختزن ذلك من خضوع واستسلام كلّي لإرادة واشنطن، وهذا الأمر لا يصبّ دوماً في مصلحة دول الخليج، فهل يريد ابن سلمان أن يضم هذه الدول إلى الحظيرة الأمريكية غصباً عنها ورغم إرادتها صاغرة وبلا نقاش؟!
كان يأمل الكويتيون أن تكون زيارة ابن سلمان مخصّصة لحل الأزمة الخليجية، وأن تأتي استجابة لمبادرات أمير الكويت في المصالحة مع قطر وإعادة الأمور إلى مجاريها الصحيحة، ومن هنا جاءت الحفاوة البالغة التي تم فيها استقبال الضيف الكبير، ولكن ما جرى شكّل صدمة غير متوقّعة للكويت وأميرها وشعبها، بحيث بات عليهم الآن أن يشاركوا في دفع الضريبة التي تفرضها واشنطن على الرياض، لا سيما مع استمرار الضغط المالي والإقتصادي على السعودية بفعل الحرب الدائرة على جبهة اليمن والمواجهة القاسية مع إيران، وكل ذلك يستنزف الخزينة ويلقي على كاهل المملكة المزيد من الأثقال.
لا يزال ترامب ماضياً في أسلوب التهديد والإبتزاز ومستمراً في هذه السياسة، فيما العرب ماضون بتقديم التنازلات تلوَ الأخرى، واستنزاف الموارد والمقوّمات الحيوية التي تضمن ديمومة أنظمتها، فهل ستعود السعودية إلى لعب دور "الأخ الأكبر" للعرب، أم أنها ستتحوّل إلى الشرطي الأمريكي في المنطقة.