مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
هي فعلاً فضيحة لا تقاربها كل الفضائح التي شوّهت التاريخ العربي، ولا تدانيها كل موبقات العرب التي ثخر بها ذباب العار والمهانة.. هي فعلاً فضيحة لم تستطع كل المبرّرات الغبيّة أن تستر عورتها، لا بل كلما حاولوا رتقها فتقوها، فتلك خرقة بالية ملأى بالثقوب، فلا هي أساساً أهل للستر، ولا استطاعت أن تخفي العيوب التي أخذت بالمملكة السعودية إلى أدنى درجات سلّم التقدير والاحترام.
لم تعد جريمة قتل الصحافي، الأخواني الهوى الاستخباراتي المهنة والتبعية، جمال خاشقجي هي المحور الأساسي في القضية، فكل ما كانت تركّز عليه الضغوط هو اعتراف موثّق صادر من مواقع رسمية ملكية تؤكد مسؤولية عناصر سعودية في ارتكاب الجريمة، وهذا ما حصل، ولكن كيف جاء هذا الاعتراف؟ وماذا بعد هذا الاعتراف؟ وما هي المواقع التي تقف فعلاً وراء ارتكاب الجريمة أولاً ووراء مسرحية تلفيق التهم وتحميل المسؤوليات ثانياً؟ وهل وصل الاختراق في مواقع القرار ضمن المنظومة الحاكمة في السعودية إلى حد لا يعلم الملك أو ولي عهده أو كبرى المواقع في المملكة ما تحيكه مجموعة من المستشارين ومسؤولي الصف الثالث والرابع في المؤسسات المختلفة؟!
حبل ملتف حول عنق السعودية
منذ أن أُعلن عن اختفاء خاشقجي وحتى الإعتراف بمقتله في مقر القنصلية السعودية في اسطنبول وتقطيعه وإذابته بالأسيد ورمي فضلاته في مجاري الصرف الصحي، ازدحمت التصريحات والمواقف الدولية التي تطالب بالكشف عن الحقيقة، وتحوّل هذا الأمر إلى حبل التفّ حول عنق الأسرة الحاكمة في المملكة وتركّزت الاتهامات على ولي العهد محمد بن سلمان كمسؤول أول عن كل ما جرى ويجري، باعتباره الحاكم الفعلي في المملكة، وبعد أن رست التسويات على تولّي فريق تحقيق جنائي - قضائي سعودي البتّ بالأمر دخلت القضية في منعطف جديد، بحيث تبيّن أن للقنصلية السعودية في اسطنبول والسفارة السعودية في واشنطن دوراً في نسج خيوط الجريمة تنفيذاً وتخطيطاً، وما أن أنهى النائب العام السعودي مهمته الباهتة وغير المقنعة في اسطنبول، حتى انبرى الناطق باسم النيابة شلعان الشلعان ليتلو ينود الأحكام المتناقضة.
الجبير وعلامات الاستفهام
هكذا انتهت القضية؟! أربعة أو خمسة أو أكثر بقليل من مجموعة الـ 15 هم وراء ارتكاب الجريمة، والرؤوس الكبيرة لا علاقة لها بما جرى، والخطة التي صيغت في الرياض ونفذت في اسطنبول ولا تبتعد خيوطها عن السفارة السعودية في واشنطن، وهذا يطرح علامة استفهام كبيرة حول مسؤولية وزارة الخارجية السعودية ورئيسها عادل الجبير في هذا السياق، ومهما حاول الجبير حصر الموضوع بالشأن السعودي البحت إلا أن ذلك لا يعفيه من المساءلة والتحقيق، فهو الذي يتولّى إدارة كل الممثّليات السعودية في الخارج، وبالتالي فإنه مسؤول عن كل شاردة وواردة تحصل فيها، وهو بالتالي ضالع بشكل مباشر أو غير مباشر في تحويل الفنصليات والسفارات السعودية في عواصم دول العالم إلى أوكار تجسّس ومقرّات اختطاف واعتقال وتعذيب وتقطيع.
الجبير ورّط المملكة بقضية خاسرة
نفهم أن الإدارة الأمريكية بإدارة دونالد ترامب لا توفّر مناسبة إلا وتستغلّها لابتزاز العرب والسعودية على وجه الخصوص، ونفهم أن أوروبا تمتطي اليوم موجة الاستهداف الدولي للسعودية طمعاً في حصة ما على طاولة التسويات المرتقبة، ونفهم أن لتركيا أردوغان ثأراً شخصياً على الرياض لاعتقاده بأن السعودية هي التي تقف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز / يوليو 2016 التي استهدفت الإطاحة به، فضلاً عن سعيه للانضمام إلى مجموعة المستفيدين مالياً من ثروات السعودية، ولكن ما لا نفهمه هو كيف أن مسؤولاً دبلوماسياً كعادل الجبير يقحم نفسه في توريط المملكة بقضية خاسرة وملف تدميري للسعودية ومحطّم لكل ما تم تظهيره من إنجازات في عهد محمد بن سلمان، فهل كان هذا الرجل يجهل ما يفعل أم أنه يتعمّد ذلك عالماً؟!
الجبير خطر فعلي على السعودية
إن أي تبرير يسوقه الجبير لما جرى لن يكون سوى إدانة إضافية له، وعلى الرغم مما يجري من اتجاه إلى لملمة القضية وإعادة ترتيب الأجواء بين السعودية والعالم، وتبرئة الصف الأول في الحكم والسعي إلى الخروج بأقلّ الخسائر الممكنة، فضلاً عن الحفاظ على سمعة المملكة، إلا أن الحديث عن تورّط سفارة واشنطن بما جرى في قنصلية اسطنبول سيضع كل المواقع الدبلوماسية السعودية في العالم تحت وطأة الشبهة والشك، ولن يقف الأمر عند الشعور بالريبة لدى السعوديين المنتشرين في أصقاع الأرض، بل ستصل حكماً إلى عواصم الدول الخارجية ومواطنيها الذين قد يقصدون هذه المواقع، وبالتالي فالأجدر اليوم وضع الجبير تحت مجهر البحث والتمحيص لمعرفة ماذا يخبئ هذا الرجل من أسرار ومن التباسات متشابكة سواء في علاقته مع المسؤولين الأمريكيين أم مع أتباعه ومسؤوليه في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في الداخل، لما بات يشكّل من خطر فعلي محدق بالسعودية واستقرارها وسمعتها في العالم.