فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-
تتحالف الدول لمواجهة أزمات طارئة، في صورة تحالفات تكتيكية، لمواجهة عدو قائم بالفعل، أو تبرم تحالفات إستراتيجية بعيدة المدة، لمواجهة حالات دائمة من التهديد، بشروط أن يكون بينها رابط يتعدى الحدود المشتركة، وتطابق مصالحها الاقتصادية والسياسة، وارتفاع التفاهمات بينها إلى الحد الذي ينفي الخلافات الضيقة الطارئة، ويضمن الاستمرارية.
والمنطقة العربية، مثل بقية مناطق العالم، عرفت التحالفات العسكرية، منذ أن بدأت رياح الاستقلال الوطني تهب في منتصف القرن الماضي وتنتزع السيطرة على القرار الوطني، فتحالفت مرات عدة، تحت مظلة الجامعة العربية، وكان العنوان البارز وقتها مواجهة العدو الصهيوني، الذي يعد التهديد الأخطر على الأمن القومي العربي ككل، سواء من حيث موقعه الذي يشطر العالم العربي، أو لتدفق المساعدات والسلاح الغربيين، المناط بهما تحقيق تفوق الصهاينة على الدول العربية مجتمعة، عسكرياً وتكنولوجياً.
في حرب تشرين/أكتوبر التحريرية أثبت الفعل العربي قدرته، وكفاءته، وأثبتت الأمة أنها تستطيع الفعل، وتستطيع تحمل عواقب هذا الفعل، التحالف الذي نشأ فجأة وبلا تخطيط مسبق، تمكن في أيام من كنس ركام الخلافات والشكوك فيما بين الحكام العرب، وتدفقت إلى الجبهات العسكرية المفتوحة قوات عربية (الجزائر وليبيا إلى سيناء والعراق إلى سوريا كأمثلة)، وفي مواجهة عدو العرب الأول كان النجاح المتحقق فتحاً لسبيل وحدة حقيقية، لو صفت النيات فيما بين الحكام.
حدث هذا قبل أن يذهب الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى الكنيست، حاملاً مشروع تصفية القضية العربية الأولى –فلسطين- وملقياً بزيت إلى نار خلافات الأنظمة المشتعلة أصلاً، ليضيع مفهوم الأمن القومي العربي تماماً، وتزيد المساحة بين الدول العربية إلى حدها الأقصى، وبمرور الوقت اتسع الخرق على الراتق، ليكتب الرئيس العراقي صدام حسين فصل الختام في إمكانية تعاون النظم الحاكمة –ربما- للأبد.
ومع دخول قوات التحالف الدولي إلى السعودية لمواجهة احتلال العراق للكويت، أصبح العنصر الأجنبي، الذي كان حاضراً دوماً في خلفية المشهد، قائداً فعلياً لكل تحالف تشكل بعد ذلك، وصارت الأرض العربية –في الخليج خصوصاً- قواعد عسكرية غربية، من السعودية إلى قطر والبحرين والإمارات، وحتى الاستقلال الوطني عصفت به ظلال عميقة من الشك، في ظل كل تلك القوات التي تدفقت على المنطقة، ولا تزال.
وعقب أحداث الربيع العربي، ونجاح قوات "درع الجزيرة" بقيادة السعودية، في اغتيال الثورة البحرينية، وسط تواطؤ دولي وإعلامي غير مسبوقين، برزت فكرة قوات عربية لمواجهة "أعداء الأنظمة"، وكانت النواة الصلبة للفكرة تتمحور حول الدول العربية المصنفة معتدلة من قبل واشنطون، وفي مقدمتها المملكة السعودية ومصر والأردن، وتشكيل ما يطلق عليه المسؤولين في البيت الأبيض "الناتو العربي mesa" الذي يتألف من الحلفاء في العالم السني، للوقوف يداً واحدة أمام إيران، أو مواجهة الحركات المسلحة بشكل عام.
كانت الرغبة الأميركية تتلاقى مع أمنية سعودية بتجاوز خلافاتها داخل البيت الخليجي، مع قطر حول تصنيف جماعة الإخوان المسلمين، ومع سلطنة عمان حول الموقف من إيران، حيث تتطابق وجهات نظر المملكة والإمارات بشأن جماعة الإخوان بأنها تهديد على عروشهم وأصدقائهم –في مصر خصوصاً- وبشأن ما تمثله إيران بالنسبة لمصالح الأسر الحاكمة في البلدين، سواءً بدعمها للمقاومة في فلسطين أو لبنان، وبتواجدها القوي بالمنطقة، الذي يعري الأنظمة الحاكمة كافة من أية شعبية مزعومة أو وطنية.
كانت الحل المطروح أميركيًا هو تحالف عسكري سني، يضم دولاً تتمتع بثقل عسكري من خارج مجلس التعاون الخليجي، مثل مصر وباكستان والمغرب والأردن، وتبتعد عن التجاذبات الحادة داخل مجلس التعاون، وفي النهاية تمنح المعطيات الاقتصادية قيادة التحالف الجديد إلى السعودية، وفي ظل صعود الملك سلمان للعرش، وطموح ولي العهد الجديد –وزير الدفاع أيضاً- فقد بدت مسألة التحالف تحمل أهمية قصوى للمملكة.
اليمن كانت الساحة الأولى لإعلان التحالف الجديد، واعتبر "سلمان" أن وصول الحوثيون للسلطة يمثل ضربة إيرانية قاصمة للعائلة السعودية الحاكمة، وبادر بإطلاق "التحالف العربي لقيادة عاصفة الحزم"، وهو الاسم الذي استخدمته المملكة في الفترة الأولى من حربها في اليمن، من آذار/مارس إلى نيسان/إبريل 2015، بواسطة تحالف من عشر دول، حيث ضم التحالف كل من البحرين والكويت وقطر والإمارات ومصر والأردن والمغرب والسودان وباكستان، ثم أطلقت المملكة على العمليات اللاحقة عملية "إعادة الأمل".
الحرب في اليمن تحولت بعد سنوات أربع من تمنيات بنصر سريع إلى محاولة الخروج المشرف، وسقط التحالف في أول اختباراته، أمام الحوثيين، وفشلت كل العمليات العسكرية، براً وبحراً وجواً، في تحقيق أي مطلب للتحالف، سواء بإعادة حكومة عبد ربه منصور هادي، أو بإنهاء التهديد العسكري للحد الجنوبي للمملكة، وباتت اليمن تمتلك من الوسائل العسكرية ما تستطيع الوصول به للرياض ودبي.
السياسة الأميركية، أو اللعبة القذرة، التي تجيدها واشنطون، قادت المملكة في ظل تسرع ولي العهد، إلى مهلكة في التيه، فلا هي قادرة على زعم النصر، ولا هي قادرة على التعامل مع الواقع الجديد، الذي يتشكل الآن، في مفاوضات سلام برعاية أممية في السويد، فهل أدرك أحد من البيت السعودي الحاكم أن الطريق الذي لا ينتهي بالقدس والبندقية التي لا توجه للصهاينة مآلهم الفشل والخزي، قبل فوات الأوان.