هدى القشعمي- خاص راصد الخليج-
تتسارع وتيرة الأحداث السياسية في المنطقة، ففي كل يوم ترسم هذه الأحداث خيوط لوحة الشرق الاوسط، ومن ركائز الشرق الأساسية هي سوريا التي تعاني منذ 8 سنوات من الحرب. مؤخرا شكل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انعطافة كبيرة في سياسات المنطقة من خلال قراره سحب قواته من سوريا، وبعدها زيارة الرئيس السوداني عمر البشير لسوريا، وفي هذه الآونة افتتاح السفارة الاماراتية وبعدها عودة العمل بالسفارة البحرينية في سوريا، وهنا يبرز السؤال التالي: هل تعود السعودية إلى سوريا؟
للإجابة عن هذه الاشكالية هناك أمور عدة يجب الوقوف عندها لكي تتضح الصورة بشكل كامل من خلال ربط الأحداث المتسارعة، أولاً شكل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مفاجأة لحلفائه قبل أعدائه والذي رسم الخط البياني التنازلي لنهاية الحرب في سوريا حيث لم تعد القوات الامريكية قادرة على إحداث أي تغيير في التوازنات القائمة وحاولت أن تعطي حليفتها تركيا الفرصة للتخلص من أعدائها الأكراد، كما أن تغريدة ترامب بشأن اسهام السعودية في إعادة إعمار سوريا وما أثاره من استغراب سعودي حاول فيه الرئيس الأمريكي التنصل من اعمار سوريا وتوريط السعودية واجبارها على اعادة العلاقات مع سوريا ولو من باب اعادة الاعمار، كما سمح القرار الامريكي بعودة الدول العربية إلى سوريا حيث إنها ستكون أسهل الاتفاق بينها وبين الدولة السورية من الاتفاق السوري مع أمريكا في محاولة أخيرة من أمريكا لملأ فراغ انسحابها سياسيا وعسكريا بدل روسيا وإيران.
ثانياً، لم يكن من الصعب تقبل سوريا لزيارة الرئيس السوداني عمر بشير لها كون السودان لم تتورط في الحرب الدائرة هناك لذا كانت الموافقة السورية على الزيارة يسيرة فتمت بنجاح وشكلت حجر الدومينو الأول لتهافت الدول العربية نحو سوريا واثمرت أولاً زيارة اللواء السوري علي المملوك الى مصر، ومن المعروف قوة العلاقات بين السودان والدول الخليجية وخاصة السعودية التي تشاركها في حرب اليمن وليس من الغريب أن تكون الزيارة قد تمت بمباركة السعودية.
ثالثاً، حدث إعادة افتتاح السفارة الاماراتية في دمشق بعد اعادة تأهيلها شكل نقلة نوعية لعودة العلاقات السورية العربية وخاصة الخليجية منها واللافت كان تصريح القائم بالأعمال عبد الحكيم النعيمي بعيد افتتاح السفارة حيث اعتبر "أن افتتاح سفارة بلاده في دمشق مقدمة لإعادة نشاط سفارات عربية أخرى في العاصمة السورية"، وفي هذا السياق ليس خافياً على أحد مدى متانة العلاقة بين الامارات والسعودية ومن المحسوم أن مثل هذه الخطوة تمت بالتنسيق بين الدولتين بشأنها وهذا ينطبق أيضاً على دولة البحرين التي أعلنت وزارة خارجيتها في بيانها عن "استمرار العمل في سفارتها في سوريا مؤكدة على حرص المملكة على استمرار العلاقات مع الجمهورية العربية السورية، وعلى أهمية تعزيز الدور العربي وتفعيله من أجل الحفاظ على إستقلال سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها".
رايعاً، الأمر الملكي الأخير الذي بموجبه تم اعفاء عدد من الوزراء وتعيين آخرين هدف منها الملك سلمان الى احداث تغييرات سياسية داخلية وكذلك خارجية لأن السعودية بحاجة إلى تغيير في سياساتها التي نجحت في أماكن وأخفقت في أماكن أخرى، فمن الاعفاءات، اعفاء وزير الخارجية عادل الجبير من منصبه وتعيين إبراهيم بن عبد العزيز العساف الذي كان يشغل وزارة المالية سابقاً بين عامي 1966 و 2016، كما مر على مراكز مهمة تعنى في الشأن الاقتصادي من ادارات ولجان ومجالس، والملفت ترؤسه اللجنة السعودية السورية المشتركة. هنا يبرز جلياً بعض مهام الوزير القادمة ومنها اعادة العلاقات السعودية السورية والتي لا يمكن أن تعود بوجود الوزير عادل الجبير فالمملكة في عهده كانت تهاجم النظام السوري فتسلم ابراهيم العساف الذي كانت لديه علاقات جيدة إبان قيامه بمهامه في اللجنة السعودية السورية المشتركة يسهل من اتمام هذه المهمة وكونه ضليعاً في الشأن الاقتصادي سيسمح للمملكة بالدخول في اعادة الاعمار في سوريا.
ختاماً عودة السعودية الى سوريا دونها عقبات عدة منها عودة سوريا معززة مكرمة إلى الجامعة العربية بعد أن طردت منها منذ 8 سنوات وهذه الخطوة ليست بالصعبة بعد عودة كل من السودان ومصر والامارات والبحرين الى سوريا، وعقبة أخرى هي تخلي السعودية عن القوى التي تدعمها من المعارضة بعد انكشاف المشهد الحقيقي لما كان يجري في سوريا، وأخيراً المساهمة بإعادة إعمار سوريا، بعد كل ما سبق ليس من الصعب عودة السعودية إلى سوريا، ولكن هل تقبل سوريا بهذه العودة؟