مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
هل بدأت طبول الحرب تُقرع في منطقة الخليج؟ هذا السؤال لا يزال يتردد في أروقة السياسة والقرار في العواصم الكبيرة والصغيرة المعنية بمنطقة الشرق الأوسط، لا سيما أن الصراع أصبح مباشراً بين أطراف الأزمة في ظل حسابات دولية متشابكة ومعقّدة، وعلى الرغم من أن واشنطن وطهران تؤكدان على ألسنة مسؤوليها في أعلى الهرم بأنهما ليستا ذاهبتين إلى خيار الحرب، إلا أن الخطاب عالي النبرة لا يزال يحتل المشهد السياسي والإعلامي، ليجعل الترقّب سيد الموقف بموازاة مخاوف حقيقية من وجود أطراف أخرى عربية أو غير عربية تدفع باتجاه خيار المحرقة الكبرى.
وصل التحدّي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية إلى مرحلة غير مسبوقة، ففيما تصرّ واشنطن على المضي في إجراءاتها العقابية بحق طهران من حصار اقتصادي وسياسي وخنق تجاري مالي، رفعت إيران من سقف مواقفها بالتلويح بإغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي بما يهدّد ممر التجارة العالمي للنفط، ممّا يرتّب على دول الخليج التفتيش عن ممرّات ووسائل أخرى مناسبة وفعالة لتصدير الذهب الأسود، كما يفرض المزيد من الضغط للتعويض عن النقص في إنتاج النفط في السوق العالمية للحفاظ على التوازن التجاري، إلا أن الاستهداف الغامض للبواخر وناقلات النفط الأجنبية في ميناء الفجيرة الإماراتي والأخرى السعودية ألقى بثقله على المعادلة ما من شأنه أن يخلط الأوراق والحسابات، يضاف إلى ذلك الخرق الأمني المريع الذي حققه الحوثيون لمنظومة المراقبة البرية والجوية، في وصول طائرات الدرون إلى محطات ضخ النفط السعودية وضربها - دون أن تلقى أي رد فعل أمريكي أو غربي - وهو ما يطرح علامات استفهام قوية إزاء استقرار المنظومة الأمنية في المنطقة التي ترقد على فوهات آبار النفط.
بالغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إهانة العرب وعلى رأسها المملكة السعودية، وللمرة التاسعة يطلق هذا الرجل المتعجرف تصريحاته المستفزّة بحق الملك سلمان على وجه الخصوص، وفي المقابل تختفي هذه العنجهية في خطابه إزاء إيران – وهي عدو أمريكا – بل يؤكد ووزير خارجيته والعديد من سياسييه بأنه ليس في وارد خوض حرب ضد إيران وأنه ينتظر اتصالاً من المسؤولين الإيرانيين لتحديد موعد لبدء التفاوض، أما على الأرض فتسجّل المصادر حالات استنفار تعمّ كل المواقع والتجمعات والقواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط عموماً وفي الخليج خصوصاً، في ظل مخاوف فعلية من عمليات عسكرية تنفذها إيران ضد أهداف أمريكية؛ فهل هو توزيع أدوار يرمي إلى إثارة الغبار في أجواء المنطقة المتوتّرة أصلاً؟ أم هو مناورة سياسية تخفي مشروعاً أمنياً – عسكرياً تحضّر له واشنطن؟ أم هو استعراض للقوة يهدف إلى "إرعاب" إيران؟ أم هو مجرد إجراءات احترازية لمنع الاستهداف حتى لا تضطر واشنطن للرد فتقع في المحظور؟
لم تعترف دولة الإمارات العربية بالأنباء التي تحدثت عن استهداف البواخر في ميناء الفجيرة إلا بعد مضي ساعات، وبدأت تزدحم التحليلات والتقديرات السياسية والعسكرية، في وقت كانت معظم المؤشرات تلمّح إلى مسؤولية إيران إلى حين نفت الأخيرة أي مسؤولية لها، كما لم تؤكد واشنطن هذا الاحتمال وردّته إلى أطراف تدور في الفلك الإيراني، مستبعدة أن يؤدي هذا الأمر إلى تدحرج كرة النار في المنطقة، ليأتي استهداف المنصات النفطية السعودية دون أن يبدي أي طرف عربي – خليجي أي رد فعل سوى الاستنكار والتنديد، وهذا الضعف وضيق الخيارات العربية والغربية استغلّه الإيرانيون في رفع مستوى المواقف التي توعّدت بإذاقة "الجبهة الامريكية- الصهيونية مرارة الهزيمة" على حد قول وزير الدفاع الايراني أمير حاتمي، الذي اعتبر أن إيران باتت "تواجه حرباً شاملة".
لم يحرّك الأمريكون ساكناً تجاه ما حصل ويحصل اليوم من غليان في منطقة الخليج، ولم تتجاوز ردات الفعل حدود التصريحات المعتدلة، ولم يتجهوا أساساً إلى إقحام إيران في هذه القضية تلافياً للتورّط في أتون محرقة لن تبقي ولن تذر، فقد يعلم الأمريكيون كيف تبدأ شرارة الحرب يالاشتعال ولكن لا أحد يعلم متى وكيف تنتهي، وفي خضم هذا التشابك أين تقف المملكة السعودية؟ وكيف ستتعامل مع الدفع المحموم الذي تقوم به إسرائيل باتجاه إشعال حرب ستجر الويلات والدمار على أنظمة المنطقة وشعوبها؟ وهل ستنجح القبب الحديدية ومنظومات التصدي في تلافي الصواريخ المدمّرة التي تنصبها إيران باتجاه العواصم الخليجية ومصافي النفط؟ - وهي لم تنجح في منع الطائرات الحوثية المسيّرة من الوصول إلى العمق السعودي - وإلى متى ستبقى الرياض تراهن على تدخّل أمريكي يعدّل موازين القوى إزاء التغوّل الإيراني الذي لا يبدو أنه تأثر كثيراً بالعقوبات الأمريكية والدولية عليه، وهو تدخّل لم يجنِ حتى الآن سوى المزيد من الابتزاز المالي لموارد الخليج ودولها؟
لم يعد خافياً أن الإدارة الأمريكية تطمح في دفع إيران إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، وأبرز ما كُشف في هذا الإطار ما ذكره رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" ديفد هيرست عن أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو فاجأ رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي خلال زيارته غير المعلنة الأخيرة لبغداد، وطلب منه إبلاغ الإيرانيين بأن "الرئيس دونالد ترامب ليس متحمساً لحرب ضدهم، وكل ما يريده هو إبرام اتفاق نووي جديد يحمل اسمه"، ولم يعد خافياً أيضاً أن واشنطن فشلت في منع إيران من تصدير نفطها عبر مضيق هرمز، وما حُكي عن حشود عسكرية أمريكية زحفت إلى الخليج نفاه ترامب نفسه، فالأمريكي لن يحارب نيابة عن السعودية والخليجيين مهما تدفقت الأموال إلى الخزائن الأمريكية، ولن يعرّض مقرّاته وجنوده في دول الخليج والعراق وسوريا وسفنه في البحر الأبيض المتوسط للاستهداف وهي باتت كلها تحت مرمى الصواريخ الإيرانية وغير الإيرانية، كما لن يغامر في حرب قد تحرق المنطقة كلها ولن تسلم منها إسرائيل أيضاً، فلو اشتعلت المنطقة بنفطها وبراميل البارود المدفونة فيها فمن سيكون القادر على إطفائها؟ وماذا ستستفيد دول الخليج وفي مقدمتها المملكة السعودية إذا اندلعت هذه الحرب، حينها سيأتي العام 2030 والعرب لم ينتهوا بعد من لملمة الأشلاء وإزالة أنقاض المستقبل المحترق.