أحمد شوقي- راصد الخليج-
على المستويات الأكاديمية، يتم تعريف التعاون الدولي على أنه مصطلح "يطلق على الجهود المبذولة بين دول العالم من أجل تحقيق مصلحة الدول المتعاونة وفي سبيل تحقيق الأمن والسلم الدوليين ومواجهة التحديات السياسية والاجتماعية والإقتصادية والأمنية".
ويشمل التعاون مستويات عديدة مثل العلمي والسياسي والقضائي والاقتصادي والعسكري.
وهناك نطاقات من التعاون لا يشترط ان تكون دولية، ولكن تكون مناطقية أو بين دول تجمعها روابط متميزة مثل التعاون العربي والاسلامي، وفي القلب من هذه النطاقات حدثت ولادة التعاون الخليجي.
وقد أسس مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو 1981م في الإجتماع المنعقد في العاصمة السعودية الرياض بعد مناقشة الفكرة التي طرحها أمير الكويت الأسبق الشيخ جابر الأحمد الصباح.
ونرى هنا انه من الجدير ابداء بعض الملاحظات على الحقائق التالية لمناقشة مستقبل التعاون الخليجي:
اولا: جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية هي دول ملكية، واثنان منها تتبع نظام الحكم الملكي الدستوري وهي دولة الكويت ومملكة البحرين، ودولتان نظام حكمها ملكي مطلق وهي المملكة العربية السعودية ودولة قطر، ودولة نظام حكمها سلطاني وراثي وهي سلطنة عمان، ودولة تتبع نظام الحكم الاتحادي الرئاسي وهي الإمارات العربية المتحدة.
* والملاحظة هنا، هي ان النظام الملكي لهذه الدول يفتقد عاملا هاما من عوامل تأسيس التعاون وتطويره، وهو العامل الجماهيري، باعتبار ان افتقاد مشاركة الجماهير في النظم الملكية، يجعل فلسفة التعاون ومساره فوقيا، ولا يخضع للتفاعل الجماهيري بين الشعوب والتي يمكن ان تطور هذا التعاون وتحافظ على مكتسباته وتشكل حماية له، وكما رأينا فإن التوترات السياسية الفوقية بين النظم افسدت التعاون وأثرت تأثيرات خطيرة على مجلس التعاون، بما يهدد استمراريته ذاتها.
ثانيا: يقول المراقبون أن العراق باعتباره دولة مطلة على مياه الخليج العربي ولها حدود طويلة مع المملكة العربية السعودية ودولة الكويت واليمن باعتبارها الامتداد الاستراتيجي لدول شبه الجزيرة العربية، كانت تعد من الدول المرشحة للحصول على عضوية المجلس الكاملة حيث تمتلك كل من الجمهوريتين عضوية بعض لجان المجلس كالرياضية والصحية والثقافية.
* ولكن لم يحدث ذلك، بل وان ما حدث هو أن دول الخليج العربي رحبت بفكرة انضمام المملكة الأردنية الهاشمية ومملكة المغرب إلى مجلس التعاون الخليجي، ورغم أن هذه الدول شقيقة، ولكن الإصرار على استبعاد الجمهوريات، والترحيب بانضمام الملكيات، هو مؤشر على أن نهج الملكية متعمد وكأنه من ثوابت مجلس التعاون أو شروطه!.
ثالثا: مظهر التعاون العسكري المتمخض عن مجلس التعاون الخليجي، هو قوات درع الجزيرة المشتركة، والمعلومات المتوفرة عنها تقول انها "قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي وتم إنشاؤها عام 1982م . بهدف حماية أمن الدول الاعضاء مجلس التعاون الخليجي وردع أي عدوان عسكري. وتتألف من فرقة مشاة آلية بكامل إسنادها وهي ( المشاة والمدرعات والمدفعية وعناصر الدعم القتالي ) وتتألف القوة التأسيسة من لواء مشاة يقدر بحوالي 5 آلاف جندي من عناصر دول مجلس التعاون الست ( السعودية وعمان والإمارات والكويت وقطر والبحرين ). أغلب جنود القوة هم من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان مع أعداد أصغر من باقي الدول وبهذه القوة فإن القدرة القتالية لقوات درع الجزيرة تؤهلها فقط لخوض حرب دفاعية. واستراتيجيًا تشكل قوات درع الجزيرة قيمة استراتيجية محدودة من الناحية الأمنية وهي غير قابلة للتصدي لأي عدوان واسع النطاق".
* وهنا يمكن ملاحظة ان هذه القوة مشكلة لمقاومة الاحتجاجات الداخلية وحماية العروش، وليست للحماية من التهديدات الخارجية، حيث تتولى امريكا رسميا مهمة حماية الخليج وهي من يقرر ويعلن الاعداء نيابة عن نظم الخليج، وقد اثبتت التجارب العملية وما حدث من تدخل لهذه القوات لقمع انتفاضة شعب البحرين، ان هذا التحليل يتسم بالصحة.
وأذا ما حاولنا هنا التنبؤ بمسار التعاون الخليجي وفقا لهذه المعطيات، فكيف سيتم التوفيق بين نظم توترت علاقاتها فوقيا مع افتقاد العامل الشعبي؟
وعلى اي اساس اقتصادي سيتم التعاون وسط استنزاف امريكي يوجه السياسات الى مسار تصادمي بين دول الخليج لابتزاز جميع الأطراف.
وعلى اي اساس علمي وبحثي سيتم التنسيق وسط افتقاد لروح التنمية والتطوير والانشغال بحروب على دول شقيقة مجاورة.
ان الازمة الخليجية هي مؤشر قوي وكاشف لهشاشة التعاون الخليجي بأسسه الراهنة والمفتقدة للاستقلال الوطني والمشاركة الشعبية، ودونهما لا يمكن التنبؤ بتعاون ناجح، بل ان الاحداث والتداعيات تسوق الى مستقبل غامض ومرعب!