أحمد شوقي- راصد الخليج-
هناك حقائق مؤسفة يمكن بتأملها الوصول لحالة من الاستنكار الممزوج بالدهشة بسبب قلة الوعي وسذاجة التعاطي والعجز عن مواجهة ما أصبح مكشوفا وليس مجرد تخمينات أو قراءات ينقصها الدليل.
ومن هذه الحقائق ما يتعلق بالنظرة الغربية الاستعمارية لمنطقتنا العربية وثقافتها وكذلك محاورها الاستراتيجية، وهنا يمكن أن نضرب مثالين صغيرين على ما نود قوله:
1/ تنظر مراكز الأبحاث الدولية الى الاسلام والمسيحية الشرقية باعتبارهما ثقافة واحدة في مواجهة ثقافة غربية، في حين تقوم بزرع الفتن الطائفية للتفريق بين المسلمين والمسيحيين وخلق وتوسيع الفجوات بينهما، ناهيك عن نظرة الغرب للاسلام باعتباره ثقافة واحدة ومع ذلك تحاك المؤامرات لخلق تناحر واقتتال بين جناحيه (السني) و(الشيعي)، وكل ذلك يأتي في إطار سياسات استعمارية تقليدية ومعروفة، وللأسف يقع الكثيرون في التورط بها والأكثر أسفا ان هناك حكومات خليجية تخدم هذه المخططات بل وتمولها!
2/ تنظر المؤسساات البحثية الغربية وخاصة الأمريكية الى الخليج كمحور استراتيجي على انه دول مجلس التعاون الخليجي مضافا اليها ايران والعراق، وهو ما يفسر سياسات امريكا تجاه المحور ومحاولة السيطرة على دوله بالكامل، وقطع الطريق على وحدته حتى يظل متناحرا وغير قادر على الاستقلال بمصالحه من جهة، ومن جهة اخرى تطلق امريكا الفزاعات حتى تبتز دول الخليج بذريعة الحماية من اخطار متوهمة.
كل هذا بات مكشوفا ومعلنا بفجاجة في عهد ترامب، مما يقول ان الأمر ربما لا يتعلق بانعدام الوعي واستيعاب الحقائق، وانما يتعلق بالعجز عن المواجهة ومقاومة هذه السياسات التي استشرت بما يمثل خطرا حقيقيا على امن الخليج بالمعنى الوطني لا بالمعنى الاستعماري.
فأمن الخليج يكمن في امن دوله وتعاونهم واتحادهم لحماية مصالحهم، ولا يمكن ان يأتي الأمن من التناحر والصراع والاستعانى بمستعمر لالحاق الضرر بشريك خليجي.
ان ايران والعراق دول صديقة للخليج من منظور المنفعة البحتة، ناهيك عن كونهم اشقاء في العروبة والاسلام اذا ما اتبعنا المنظور الواقعي والتاريخي.
كما ان التاريخ الاستعماري الغربي والذي تشكل امريكا احدث واقوى حلقاته، هو وافد وسينتهي بحكم صعود القوى وهبوطها وهي سنة كونية، وما سيبقى هو علاقات الشعوب وما سترثه من احداث وذكريات واعتراف بأفضال، وكذلك ما يتمخض عن الاحداث والسياسات من ضغائن واحقاد وثارات.
وبالتالي فإن المنظور الاستراتيجي ينبغي ان يتضمن هذه العوامل المستقبلية والتي سيتشكل المستقبل وفقا لها بقدر ما سيتشكل وفقا لتطور موازين القوى.
هذا الجانب الانساني والمجتمعي والقسمي لا يتعيره انظمة الخليج ادنى اهمية وكأن المرحلة الراهنة هي حلقة منفصلة ومستقلة بذاتها عما مضى وعما سيأتي، وهو خطأ استراتيجي يصل لمرتبة الخطيئة.
وحتى لو تم التعاطي مع المرحلة الراهنة بهذا المنظور الساذج، فإن اي تصعيد واي سياسات عدائية في ظل الوضع الدولي والاقليمي الراهن هي اخطاء سياسية وتكتيكية، حيث العودة الى السلام والوحدة والتسوية السلمية للخلافات هي الخيار الوحيد والحتمي.
كل وقت يضاف للحالة الراهنة البائسة هو وقت مهدر من التنمية وصيانة الموارد والمصالح، وكل تأخر عن الاستفاقة والثورة على السياسات والخيارات الراهنة هو خصم حقيقي من أمن الخليج الحالي والمستقبلي.
ريما بدأت شعوب الخليج تشعر بتغيرات مجتمعية واقتصادية تميل الى الهبوط في سلم الرفاهية والأمن، وكل ما نود قوله ان هذا المنحنى سيظل هابطا وبوتيرة اكثر تسارعا في حال استمرار هكذا اوضاع وخيارات، وهناك دور شعبي خليجي مطلوب ينادي بالخروج من هذا النفق، طالما اصرت الحكومات على صم آذانها والاستهانة بمصائرها ومصائر الشعوب.