هدى القشعمي- راصد الخليج-
تمر السعودية حالياً بأصعب مرحلة في تاريخها بعد تعرضها لاختبار أمني قاسٍ تجلى بضرب عامودها الاقتصادي المتمثل بشركة آرامكو، هذه الضربة تشكل منعطفاً جديداً واستراتيجياً من شأنه تحديد مصير المستقبل السعودي القادم، فما هي خيارات السعودية للرد على الضربة؟ وهل يمكنها تفادي ضربة جديدة ـ ربما لو حدثت ـ ستكون الرصاصة الأخيرة؟
حالة التخبط الداخلي التي تعيشها السعودية بعد الضربة التي تعرضت لها شركة آرامكو في "بقيق وخريص" وأدّت إلى خفض انتاجها من النفط إلى النصف، ما هي الا نتيجة واضحة لغياب القرار السريع والحاسم، ونتاج مباشر لفقدان الثقة من قبل المواطنين بالمنظومة الأمنية.
وقد تجلى هذا التخبط في مقالات كتّابها، الذين ذهب بعضهم الى حدّ تحميل المواطين السعوديين مسؤولية مساعدة أعداء المملكة على تحقيق أهدافهم، بالحد الأدنى من خلال قلّة الوعي ومبادرتهم الى نشر مشاهد فيديو وصور فوتوغراف فور وقوع الحادث على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن الكتاب من عمد الى مجاراة الموقف الرسمي بتوجيه اتهام مباشر لايران والعراق، ومنهم من قال بأنه لا يوجد حلفاء للسعودية وإذا أرادت أن ترد على الضربة فيجب أن تقوم بنفسها بهذا العمل، ومنهم من حرّض على الرد بقوة على الاعتداء الايراني.
وقد خلفت هذه الضربة أضراراً جسيمة لا يتوقع الخبراء التقنيين أن يتم إصلاحها بأيام بل تحتاج إلى أشهر، صحيح بأن المملكة لجأت إلى احتياطها النفطي، ولكن السؤال البديهي كم يوماً تكفي هذه الاحتياطات؟ فوفق ما ذكره مصدر سعودي عن كميات احتياط النفط السعودي ومقارنته بالحاجة اليومية لسد توقف معامل آرامكو، يتبين أن هذه الاحتياطات لا تكفي السعودية أكثر من 40 يوماً، يعني السعودية حتماً بعدها ستلجأ لشراء حاجاتها من النفط مستقبلاً.. وهذا أمر لم يمر مثلاً له من خروجها من البداوة الى عصر النفط.
يتحدث الجميع في هذه الأيام عن المسؤول عن الضربة ويغفلون أهمية حصول الضربة بحد ذاتها، فان تقطع هذه المسيرات كل هذه المسافات في الأجواء السعودية دون تعرضها لأي استهداف من قبل الدفاعات، هو ضربة أكبر من الاستهداف بحد ذاته، فأين الحماية الأمريكية؟ وأين المنظومات الدفاعية الأمريكية التي دفعت السعودية المليارات من أجل الحصول عليها؟ وإن كانت مفعلة وتعمل هنا الكارثة الكبرى، كل الصفقات التي دفعت من أجل سلاح أمريكي غير فعال وليس لديه القدرة على الحماية.
السعودية اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما في التعامل مع ضربة آرامكو، الخيار الأول يتمثل بقيام السعودية بضرب أهداف في إيران بما أنها حملتها المسؤولية عن الحادث، وهذه الأهداف إما أن تكون في الداخل الإيراني أو ضربة للقوات الموالية لها في العراق بما أن السعودية قالت بأن الضربة أتت من الشمال، وفي هذا الخيار تكون السعودية قد فتحت على نفسها أبواب جهنم لأنها ستكون وحيدة، ولن تدري من أين سيأتيها الاستهداف (شمالاً أم جنوباً أم من الشرق)، لأن محور إيران لن يقف مكتوف اليدين وقتها، أما الموقف الأمريكي فهو واضح وقد أتى على لسان كلٍ من ترامب وبومبيو، "لا نريد حرباً مع إيران ولسنا مستعدين لخوض الحرب من أجل السعودية وإذا أرادت المملكة أن ترد فنحن سندعم خيارها، أي الدعم الدبلوماسي فقط".
أما الخيار الثاني وهو ما تقوم به السعودية حالياً وهو استجلاب تكتل دولي والطلب من الدول اتخاذ موقف من إيران وشن ضربة رادعة لها، لأن ما قامت به يهدد النفط العالمي، فعندها لا تستطيع إيران أن ترد على الجميع، فتسكت إيران وتُردع، والواضح حتى الآن أن الدول الكبرى اكتفت بالاستنكار ومنها من لم يحمل ايران المسؤولية أصلاً وأكثر ما يمكن أن يحصل في هذا الصدد إدانة كلامية لا جدوى لها على أرض الواقع.
السعودية لا تستطيع تحمل خوض حرب بمفردها، فلنكن واقعيين، لأن إيران هي والتابعين لها تحاوطنا من الجهات الثلاثة وحتى من الداخل السعودي، فماذا لو قامت السعودية بالرد؟ صحيح بأننا تقنياً قادرين عليه ولكن هل فكر أحد منا، ماذا سيحصل بعدها؟، ستأتينا الصواريخ والمسيرات من كل حدبٍ وصوب، فمن الجنوب عبر الحوثيين ومن الشمال عبر القوات الموالية لإيران في العراق ومن الشرق من إيران نفسها، فنحن لا نملك حلفاء جديين، فالكويت غير مستعدة لخوض حرب والبحرين ليست دولة قادرة على المواجهة وسلطنة عمان معروفة بحيادها وأما الإمارات فخلافاتها مع المملكة في اليمن تكفي لكي تؤكد موقفها، أما الولايات المتحدة فهي لا تفوّت فرصة لابتزاز القيادة السعودية وقد عبرّت عن موقفها بوضوح، "لن تخوض حرباً للدفاع عنا"، فبهذا إن قمنا بالرد على إيران نكون قد أطلقنا على أنفسنا الرصاصة الأخيرة، أو بالأحرى .. رصاصة الرحمة.