أحمد شوقي- راصد_ الخليج-
بعد نحو 75 عاما على اتفاقية كوينسي الأمريكية السعودية التي تمت في شهر فبراير من العام 1945، على متن طراد "يو إس إس كوينسي" في منطقة البحيرات المرة بقناة السويس، بين الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية والرئيس الأمريكي وقتها فرانكلين روزفلت، تغيرت كثير من الأوضاع بشكل مأساوي.
وقبل مناقشة ابرز هذه التغيرات والجوانب التي تجعلها مأساوية يجب اولا رصد ان اتفاق كوينسي يغتبر الاتفاق المؤسس لمجمل العلاقات الامريكية الخليجية حيث تسير بذات الروح والمضمون، وهو النفط مقابل الحماية وتنويعات ذلك المختلفة والتي لا تشترط النفط فقط بل تتنوع لتشمل شراء السلاح والاستثمار والرشاوى تحت اي غطاء.
وبخصوص المتغيرات فإنه من الواجب ذكر الخطوط العريضة للاتفاقية وهي كما يلي:
1- استقرار المملكة العربية السعودية هو جزء من المصالح الحيوية للولايات المتحدة التي تقدم كذلك الحماية الغير مشروطة لعائلة آل سعود، وأقل منها للمملكة بصفة عامة ضد أي تهديد خارجي.
2- بالتالي استقرار شبه الجزيرة العربية وإعطاء القيادة الإقليمية للمملكة العربية السعودية ودورها الهام في المنطقة هم أيضا جزء من المصالح الحيوية للولايات المتحدة.
3 - في المقابل، تضمن المملكة الجزء الأكبر من إمدادات الطاقة للولايات المتحدة، دون أن تعطي حق الملكية لأي جزء من الأراضي السعودية، والشركات المتعاملة تقوم فقط بشراء الأراضي التي تعمل فيها. شركة أرامكو السعودية تتمتع باحتكار جميع حقول النفط في المملكة لمدة لا تقل عن 60 سنة.
4- بقية النقاط هي حول التعاون الاقتصادي والتجاري والمالي بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وبشأن عدم التدخل الأمريكي في شؤون السياسة الداخلية السعودية.
وهنا يجب رصد المتغيرات كما يلي:
اولا: وبخصوص البند الاول، فإن هناك فصلا بين حماية ال سعود وحماية المملكة، وان هناك تفضيلا لحماية ال سعود، وهو ما انعكس مؤخرا على حماية بن سلمان من المساءلة في قضية خاشقجي رغم تأثير ذلك على صورة المملكة، وكذلك دعم الحرب على اليمن رغم تأثيراتها السلبية على امن المملكة واقتصادها، وهنا لم يتغير بند الاتفاق تجاه ال سعود، ولكن تغيرت فكرته الرئيسية، حيث اشترط البند استقرار المملكة وافترض ان تهديد المملكة خارجي ولم يكن مطروحا ان تهديد المملكة سيكون على يد ال سعود انفسهم بل ان المخاطر على ال سعود ستكون على خلفية ممارساتهم وحمقها!
ثانيا: لم يعد هناك احترام لاعطاء القيادة الاقليمية للمنطقة للسعودية، فهناك تراجعات امريكية ظهرت في عهد اوباما واستمرت في عهد ترامب فعليا رغم التناقض الذي يحاول ان يبرزه ترامب بينه وبين اوباما، ومالت الكفة الامريكية تجاه تركيا، ناهيك عن ان قيادة شبه الجزيرة العربية تراجعت، ليتم توزيع الادوار بين السعودية والامارات وقطر.
ثالثا: تراجعت اهمية الامدادات النفطية السعودية لامريكا بعد ان اعتلت امريكا قائمة منتجي النفط، ولم تعد الاهمية النفطية السعودية الا كعامل لضبط السعر العالمي، وتعويض فارق الانتاج على خلفية العقوبات الامريكية على فنزويلا وايران والتلاعب بسعر النفط وفقا للمكايدات والمصالح الامريكية، وكذلك لم تعد ارامكو درة التاج وسط الاعلان عن نوايا خصخصتها، وتم الاستعاضة عن الاهمية النفطية بالابتزاز المالي المباشر مقابل الحماية وباعلان صريح من ترامب يصل لدرجة الاهانة، وهذا الابتزاز يتمثل في استثمارات اجبارية وشراء للاسلحة وتكديسعها دون مردود عملي واقعي يعكس قوة عسكرية على الارض، وهو ما نشاهده في المهزلة السعودية في اليمن.
رابعا: التعاون الاقتصادي والتجاري هو من طرف واحد وبمثابة الاتاوة مقابل الحماية وتغطية الجرائم، كما ان هناك تدخل بالشأن السياسي الداخلي بالسعودية عبر اختيار ولي العهد ومناصرة اطراف على اطراف اخرى في الصراع الداخلي للاسرة الحاكمة.
تقول المصادر التاريخية ان الملك رفض كلام روزفلت بشأن اقامة دولة لليهود على فلسطين المحتلة، ورغم ان هناك مصادر اخرى تقول ان الملك وقغ بتأشيرة (لا مانع من اقامة الدولة) الا ان المعلن هو الرفض، بينما بعد نحو 75 عاما تتهافت المملكة نحو الاعتراف والتطبيع وتتعاون علنا مع العدو الصهيوني، في تغير درامي يشي بأن كزينسي اصبح شعاره (اي شئ مقابل الحماية)، وهذه الحالة تعكس خطورة بالغة على الامن القومي الخليجي وليس السعودي فقط، وهو ما يتطلب وقفة ان كانت هناك بقية من ارادة!