احمد شوقي- راصد الخليج-
لايزال الحديث ساريا عن توظيف المال في السياسة او ما يعرف بـ"المال السياسي" واستخدامه الخليجي المكثف، ومصدر الحديث الدائم هنا هو الأضرار التي تلحق بالبلدان التي توظف بها هذه الاموال وما يلحقه ذلك بالخليج من سمعة سيئة.
فبعد ان كان السائد اعلاميا ان هناك اموالاً خليجية تنفق للمساعدات وللاغاثة ولخدمة قضايا عربية، اصبح السائد حاليا ان اموال الخليج تنفق لصالح الاجندة الامريكية فقط وانها ما دخلت الى بلد الا وحلت بها الفتنة والتناحر والخراب!
ومصدر هذا التحول، منها ما هو متعلق بالوضع العربي والاسلامي ككل من جهة، ومنها ما هو متعلق بالوضع الخليجي من جهة اخرى.
وبرغم حقيقة مؤسفة تقول ان المال الخليجي في السابق استخدم كمسكنات ومهدئات بديلا عن دعم المقاومة المسلحة، وكان يستخدم كمكافآت لمن ينتهج (الاعتدال) والحلول (السلمية)، الا انه كان يذهب لعلاج اوضاع معيشية صعبة ومشروعات قد تعود بالفائدة ولو جزئيا، ولكن وفي الوضع الراهن وبعد التطورات التطبيعية المعلنة، فإن المال اصبح مكافأة للمطبعين، ودعما لأطراف على حساب اطراف اخرى ترفض هذا النهج، وهو ما اصبح وبالا على الاوطان لانه اجج الصراعات واخل بالتوازنات الوطنية واجج الاحتراب الأهلي، كما انه يذهب لجيوب الموالين لحكومات الخليج، ولا ينتفع منه الناس!
وتتبارى دول الخليج حاليا في مد نفوذها عبر هذا المال، وتتنافس الدول الخليجية المتصارعة داخل الدول المتلقية للاموال، وملخص الحالة هو صراع خليجي يغذي صراعات داخلية عربية، والمجمل هو تحقق المصلحة الامريكية والصهيونية!
وهناك وجه اخر طرأ مؤخرا لاستخدام المال غير المنح، وهو المنع، والهدف واحد وهو تأجيج الصراع، وفي احدث التقارير لاحدث الحالات العربية، صدر تقرير لوكالة بلومبرغ عن المال السياسي الخليجي في لبنان، ومضمونه يقول ان المنع هذه المرة حدث لتأجيج الصراع.
ولأن التقرير لا يقول هذا صراحة، فلا بد من تأمل بعض فقراته، لنكتشف انه يقول ذلك بين السطور.
فقد أكدت وكالة "بلومبرغ" أن دول الخليج، نأت بنفسها عن الاضطرابات الحالية في لبنان ولم تستجب لمطالب رئيس وزرائه سعد الحريري لمنح بيروت تمويلا إضافيا قبيل اندلاع الأزمة.
ونقلت الوكالة عن مصادرها أن مساعي الحريري للحصول على تمويل إضافي من الخليج قبيل بدء الاحتجاجات في لبنان باءت بالفشل، بسبب مخاوف الدول الإقليمية من أن تقع هذه الأموال في أيدي "حزب الله" في نهاية المطاف.
كما ذكرت مصادر "بلومبرغ" أن الحريري قبل عدة أسابيع زار أبوظبي لكنه لم يحصل هناك على الدعم المنشود، ما يختلف عن طريقة تعامل دول الخليج مع الأزمة السياسية في السودان في وقت سابق من العام الجاري، حيث وعدت الإمارات والسعودية بدفع ثلاثة مليارات دولار لمنع انزلاق السودان إلى الفوضى.
كما لفتت "بلومبرغ" إلى أن السعودية والإمارات والكويت التي لعبت حتى الآونة الأخيرة دورا محوريا في دعم الاقتصاد اللبناني الهش، تمتنع الآن بشكل ممنهج عن الانخراط في الأزمة الحالية مكتفية بإصدار بيانات عادية في مثل هذه الحالات تدعو إلى التهدئة.
وربما هناك فقرة كاشفة في التقرير تقول: (وأشار أحد المطلعين إلى أن الحكومات الخليجية لم تتخل عن لبنان ولا تزال مستعدة لمساعدة أي حكومة في بيروت ستصبح شريكا موثوقا في تطبيق الإصلاحات الجدية وكبح جماح "حزب الله" في البلاد).
ماذا يمكن لأي عاقل ان يستنتج من هكذا تقرير؟ نظن ان الاستنتاج المباشر، هو ان الدعم الخليجي للبنان هو دعم مشروط بالموالاة التامة وبالصراع داخل لبنان بين قواه السياسية، وان المراد هو احتدام الصراع كشرط للمنح، والا فإن المنع هو الحل لتفجير الاوضاع واحتدام الصراع وهو الهدف الرئيس.
والامر لا يقتصر على لبنان فقط وانما له ظلال داخل كل قطر عربي، بل ويوظف دوليا ايضا، ليست هكذا تساق الابل، وليس هكذا ينفق مال الشعوب.