فؤاد السحيباني- راصد الخليج-
أعلنت السعودية والإمارات والسودان، أخيرًا، سحب قواتهم من الأراض اليمنية، إعلان يختم مسيرة 5 أعوام من الحرب بلا أمل في تحقيق أي إنجاز، ولو كان بسيطًا يبرر الحرب والدمار والمأساة الإنسانية غير المسبوقة، والأهم إنه بلا شروط، في تأكيد إضافي على نصر يمني أكيد.
الواضح أن ضربة "بقيق"، وما سبقها، لم تترك مجالًا لاستمرار العدوان، وتهديد السيد عبدالملك الحوثي للإمارات سرّع بقرارها الخروج من الحرب، لكن هل ستقبل كل من السعودية والإمارات الاستسلام؟! هذا هو المستحيل بعينه، فالحرب السعودية على اليمن كانت حرب إبادة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لا يريد آل سعود يمن قوي على حدودهم، يمن يخرج لدور يوازي ما يمتلكه من مقومات، وما يتيحه موقعه من أوراق ومصادر قوة.
لكن كيف سيكون شكل الحرب المقبلة، أو القائمة إن أردنا الدقة، بعد فشل السلاح في تحقيق أي تقدم يحمل اليمنيين على التفاوض.
المؤكد أن أي صراع عسكري هو ترجمة لمواقف تتعارض فيها الإرادات، هو حديث بالبارود والدم، بدلًا عن الكلمات، وبالتالي فإن كل ما شهده اليمن كان مرحلة ضمن الصراع الطويل مع تحالف العدوان، وهو سيستمر في محاولة تحقيق ما يريد بطرق أخرى، ويمكن أن تكون أخطر، في ظل بنية تحتية مهدمة، ومستوى فقر هو الأعلى بالمنطقة العربية، وبلد خارج لتوه من حرب طويلة، دمرت كل مقومات الحياة، من طرق إلى جسور ومحطات مياه وكهرباء، ويستمر الحصار المروع –حتى اليوم- في تعطيل استيراد المحروقات والغذاء.
المال هو مفتاح الحرب الجديدة، استغلال حقير لمأساة مصنوعة بيد تحالف العدوان، يجري إنفاق ملايين الدولارات على أطراف عدة بالداخل اليمني والخارج، في ظل فقر مدقع يرزح تحته غالبية السكان، محاولة جديدة لتصدير صورة مغلوطة لنتيجة التعاون مع الرياض وأبو ظبي، وإن الركوع لهما هو ما سيضمن توافر حياة كريمة، وربما باذخة أيضًا.
في تركيا التي تحتفظ بمساحة خلاف واسعة مع السعودية، خرج تقرير رسمي، عبر وكالة الأنباء الرسمية، يؤكد أن عدد المنازل التي اشتراها اليمنيون في تركيا زاد خلال الأشهر التسع الأولى من العام الجاري، 2019، بمعدل 536%، مقارنة مع ذات الفترة من 2015، لتترجم النسبة الهائلة إلى دخول اليمنيون لأول مرة ضمن قائمة العشر الأوائل من الجنسيات التي تشتري العقارات بتركيا، وينتمي أغلب المقيمين بتركيا من اليمن لحزب الإصلاح.
وبالطبع لم يتوقف الأمر عند حدود شراء عقارات، بحثًا عن مسكن، فيستكمل التقرير التركي، بالقول إن استثمارات اليمنيين في تركيا تتضاعف، سواء بالدخول في شراكات بمشروعات قائمة، أو تأسيس شركات جديدة.
الغريب أن ضخ كل هذه الأموال يزيد مع حديث عن السلام، وهو حديث وهم لا حقيقة، حيث إن ما يجري بالفعل على الأرض هو تمهيد لمرحلة جديدة، تحمل فيها أطراف محلية عبء العمل العدواني ضد الشعب اليمني الصامد، بدفع من الولاء الذي يضمنه المال، وهي خطة شيطانية طالما جربتها السعودية في دول عربية عديدة، آخرها السودان، التي أرسل "البشير" الآلاف من أبنائها لحرب خاسرة من أجل ملايين الدولارات له.
ما هو مطمئن في القصة اليمنية، هو أن الحاضنة الاجتماعية والشعبية لأنصار الله تزداد وتتسع، الوعي خلال سنوات الحرب ارتفع وصُقل، وتجربة الحرب ليست كأية تجربة في حياة الأوطان، إنها الاختبار الأرقى للإرادة والعمل والصمود، لا تترك المجال طويلًا للأدعياء والمنافقين، فسرعان ما يخرجون من المسيرة، ويستصعبون حمل أمانة الراية الوطنية.
الانتصار اليمني، الذي تؤكده الأحداث، يفتتح فصلًا جديدًا في الجزيرة العربية، تلك البقعة الجغرافية التي كانت –دومًا- فارغة، أصبح يشغلها الآن جيش كفؤ، قادر وقوي، أثبت قدرته على مناطحة السلاح الأميركي، وكتب عليه الذل طوال السنوات الخمس الماضية، وهو ذاهب إلى احتلال مكانه كقوة إقليمية، تضيف للرصيد العربي والإسلامي الكثير من القوة والإمكانات، والرهان على الوقت وعلى الوعي اليمني صائب، والمعركة المقبلة هي تطهير الأرض من المرتزقة ومن فلول المهزومين، وهي لن تكون بالتأكيد أصعب مما مر باليمن.