فؤاد السحيباني- راصد الخليج-
"أنا الدولة والدولة أنا".. الشخص قد يجد العذر -إن أراد- للويس الرابع عشر، لترديد هكذا مقولة غاشمة، كون لقبه الأكثر شيوعًا "الملك الشمس"، العائد لاهتمامه الهائل بالآداب والفنون، وصاحب ثاني أطول فترة حكم في التاريخ الإنساني المعروف، 72 عامًا.
لويس الرابع عشر صبغ فرنسا بصبغة شخصية، تمكن من تجاوز الفارق المذهل في العلوم بينها وبين جارتها اللدود بريطانيا، ومنح فرنسا فرصتها لتصبح القوة العالمية الثانية طوال قرنين من الزمان على الأقل، وميز الإنتاج الجديد في دولته، حتى أن بعض قطع الأثاث المذهبة تنسب إليه لليوم.
لكن أن يتخيل أي شخص، إن محمد بن سلمان، أحد أبرع من فشلوا في كل شيء، يجوز مقارنته بالدولة، وأن سقوطه القريب هو سقوط دولة، فنكون قد وصلنا إلى مستوى جديد من الجنون.
الدولة التي يرتبط بقائها أو زوالها بشخص، والأنكد أن يكون الشخص بن سلمان، دولة ساقطة أصلًا.
الأنباء خرجت علينا طوال ليلة الجمعة والسبت، باعتقال عدد من أقطاب أسرة آل سعود، من منافسي ولي العهد السابقين، وأقرب أقارب الملك سلمان، شقيقه أحمد بن عبدالعزيز، الأخ السديري الأخير، ومحمد بن نايف ولي العهد السابق، وأحد أقوى الشخصيات في السعودية، والرجل الذي تمتع بقبول داخل الأسرة وفي الأروقة الأميركية، جعلته الممر الذي سوغ فكرة انتقال العرش من الأبناء للأحفاد، قبل أن ينقلب عليه سلمان بعد تمام مهمته.
ومحمد بن نايف، الذي قيل إنه اعتُقل، يبلغ من العمر 60 عاما، وكان ولي العهد للملك سلمان منذ أبريل 2015 وحتى يونيو 2017، وتبعه ولي العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان، وكان بن نايف بين 1999 ونوفمبر 2012 مساعدا لوزير الداخلية، والده الأمير نايف لمدة 13 عاما ثم لعمه أحمد لمدة 6 شهور، ثم تولى رسميا وزارة الداخلية، واحتفظ بها أيضا عندما اختاره الملك سلمان وليا لولي العهد الأمير مقرن بن عبدالعزيز من يناير إلى أبريل 2015، وكذلك وهو ولي للعهد بعد إعفاء الأمير مقرن، حتى تم إعفاؤه من منصبه الوزاري ومن ولاية العهد في يونيو 2017.
لكن هل سيصمت الجناح السديري، وهو من منح بن سلمان شرعية الارتقاء إلى منصب ولي العهد، والحاكم الحقيقي الآن للمملكة.. هذه هي الإجابة الوحيدة على سؤال ما جرى في السعودية أمس.
الآن، وفقط، يدرك الملك سلمان أنه إن أراد انتقال الحكم إلى نجله فلا بد ويحدث في حياته، فكرسي العرش السعودي يمنح القرارات قوة كاملة لا تنازع، والأمراء لا يجرؤون على مناقشة ملك في قرار اتخذه، وبالتالي سيتمتع ابنه بفترة من الهدوء على تخت الملك، تسمح له باستكمال طريقه فيما بعد وحده، والأهم سيصبح حكمه قد استقر للفترة الباقية من عمر سلمان على الأقل.
في البداية فإن عائلة آل سعود تتمتع بوضع خاص جدًا، أسرة تملك بكاملها، ولا تحكم كل مكوناتها، ومنذ البداية كان الجناح السديري، أو الأبناء السبعة للملك المؤسس عبدالعزيز بن سعود من زوجته حصة السديري، هم المتحكمين في مقاليد البلد ومفاصلها، "السديريون السبعة" وهم: الملك الراحل فهد، والملك الحالي سلمان، والأمراء سلطان ونايف وتركي وعبدالرحمن وأحمد، كانوا الشخصيات المسيطرة على مفاصل الدولة، وتقلدوا أهم مناصب الدولة، في جميع العهود، كملوك وأولياء عهد ووزراء دفاع وداخلية ومالية، وكذلك أبناؤهم.
ومعاداة الجناح السديري من داخل الأسرة الحاكمة، تعد خيارًا مميتًا، أول ملك سعودي بعد المؤسس كان سعود، وذهبت به عداوة الجناح القوي إلى المنفى، بعد أن استغل فيصل الجفاء بينهم، وتمكن من قيادة مؤامرة داخلية لعزله، وفور جلوسه على العرش، عيّن الأخوة السبعة في مناصب الدولة المهمة، والمفصلية، كثمن لدعمه في مواجهة سعود.
وبعد سعود، حاول عبدالله، مدعومًا هذه المرة من واشنطون، بتقليم أظافر الجناح السديري، وبدأها بتضخيم قوات الحرس الوطني، لتوازي الجيش السعودي المنضوي تقليديًا تحت قيادة السديريين، ووضع الحرس تحت قيادة ابنه متعب، وأنشأ مجلس البيعة للتغلب على مخاوفه من انتقال كامل للملك إلى السديريين فقط، وتهميش باقي أفراد الأسرة، لكن سلمان –الملك الحالي- وفور توليه الحكم، نسف كل ما صنعه عبدالله، ووصل به الأمر لاعتقال نجله متعب، وكل هذا بالتحالف مع أشقائه من الجناح الأقوى.
وعقب صفاء الجو لسلمان، ذهب به غرور السلطة إلى معاداة الجناح السديري، حلفائه السابقين، والقرار الجديد، الصادر أمس باعتقال شقيقه ونجل شقيقه يأتي كفصل يريده ختامًا على طريقته للقصة، التي يريدها سعيدة.
سلمان ونجله يكسران توازن دقيق، راعاه كل من صعد لعرش آل سعود، فالملك السابق عبدالله، وفي عز حملته لتحجيم نفوذ السديريين، لم يفكر إطلاقًا في عزل ولي العهد –وقتذاك- سلمان، لإنه أدرك ماذا يعنيه قرارًا كهذا، ببساطة يكسر توازن القوى، ويحمل الكل إلى مجهول "قاتل".
لكن بن سلمان قرر اكتشاف المجهول الذي أخاف الجميع من قبله، وصدق ما يروجه منافقوه من كونه "قائد العصر الجديد" و"شمس الخليج الساطعة"، لكن الشمس كما تضئ تحرق أيضًا أيها المتهور.