أحمد شوقي- راصد الخليج-
لطالما تم توجيه التحذيرات لدول الخليج من انكشاف استراتيجي محتمل نظرا لهشاشة مفهوم الامن الخليجي القائم على اتفاقية كوينسي والذي بمقتضاه تقوم امريكا بالحماية مقابل النفط، وتنويعات هذا الاتفاق القائمة على المصالح الاقتصادية الاخرى، والتي خلقت ابتزازا مستمرا من جهة، وفصلت الخليج عن قضايا الامة وثوابتها من جهة اخرى.
وفي اخر التطورات، أفادت وسائل إعلام أمريكية بأن الولايات المتحدة، تستعد لسحب أنظمة "باتريوت" الصاروخية للدفاع الجوي من السعودية، بالإضافة إلى تقليص تواجدها العسكري في المملكة.
ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أمريكيين لم تذكر أسماءهم، أن الولايات المتحدة ستسحب من السعودية 4 بطاريات "باتريوت"، بالإضافة إلى عشرات العسكريين الذين تم إرسالهم إلى هناك عقب الهجمات الصاروخية على المنشآت النفطية في العام الماضي.
وأضاف المسؤولون أن الولايات المتحدة سحبت سربين من الطائرات المقاتلة، وستدرس أيضا تقليص تواجد القوات البحرية الأمريكية في الخليج.
وحسب مصادر الصحيفة، فإن تقليص القدرات العسكرية الأمريكية في السعودية مبني على تقييمات مفادها أن
وأشارت بعض وسائل الإعلام إلى أن عملية الانسحاب لا تزال مستمرة، كما قال مسؤول أمريكي لوكالة "بلومبرغ"، إن الولايات المتحدة قد سحبت اثنتين من بطاريات "باتريوت" من السعودية وبطاريتين أخريين من المنطقة.
ولا يخفى على احد ان ترامب قد لوح بمعاقبة السعودية مرارا، وخاصة في الفترة الاخيرة والتي تزامنت مع حرب اسعار النفط والتي تسببت في انهيار تاريخي لقطاع النفط الامريكي.
الا ان هناك انكشاف داخلي اخطر، يتعلق بقوام جيوش الخليج والتي تعتمد على التجنيد الخارجي.
وفي تقرير لكارنيغي، القى المركز الضوء على هذه القضية واورد معلومات غاية في الخطورة، ومما ورد بالتقرير، ان دول الخليج تستفيد سياسيًا من استخدام جنود أجانب متعاقدين، لاسباب منها :
1- ليست لديهم مصالح سياسية عمومًا يمكنهم بها ملاحقة أهدافهم ونادرًا ما يشاركون في محاولات للإطاحة بالنظام.
2- بالإضافة إلى ذلك، ونظرًا إلى عدم وجود روابط اجتماعية لهم مع السكان الأصليين، يمكن للدولة نشرهم بثقة ضد المواطنين في حالات الطوارئ المحلية.
3- كما يمكن طرد الجنود الأجانب المتعاقدين بسهولة من دون أية تبعات سياسية.
4- علاوة على ذلك، في ما تكلفة الإبقاء على الجنود المواطنين مرتفعة، خصوصًا في الدول الغنية، فإن تكلفة الجنود المتعاقدين رخيصة نسبيًا>
5- لا توجد إدانة اجتماعية إذا لقوا حتفهم في العمليات العسكرية المحلية أو الأجنبية.
ثم اورد التقرير ارقاما تستدعي القلق، حيث ذكر ان 64 في المئة من الموظفين في وكالة الأمن القومي البحرينية في العام 2009 كانوا من غير البحرينيين، أن "عموم الجنود في الجيش والشرطة وقوات الأمن في البحرين تكاد تتكون بالكامل من مجندين أجانب"، ويُشّكل الموظفون الباكستانيون 18 في المئة من القوات الجوية البحرينية ويعمل 10 آلاف مواطن باكستاني في الجهاز البحريني الإلزامي.
وبخضوص الكويت، نقل التقرير عن بعض المصادر أنه في العام 2016، كان الجنود المتعاقدون يُشكلون ما بين 25 في المئة و50 في المئة من القوات المسلحة النظامية في الكويت، لكن جميع أفراد الحرس الوطني كانوا من المواطنين..
وفي سلطنة عمان، يقول التقرير انه ليس من قبيل الصدفة أن يكون لدى عُمان أقل عدد من الجنود الأجانب المتعاقدين في جهازها الإلزامي. فهي أقل ازدهارًا من دول الخليج الأخرى. لا يثير الدهشة إذًا أن يعتبر العُمانيون أن الخدمة في قوات السلطان المسلحة مرموقة ومربحة نسبيًا. ومنذ الثمانينيات، أكد السلطان قابوس على الطابع العربي لقوته التي أصبحت إلى حد بعيد الأكثر "وطنية" في الخليج. وهي تتكون بنسبة كبيرة من الجنود والضباط العُمانيين من مواطنين من أصول بلوشية، وفي السبعينيات والثمانينيات انضم إلى الجيش العديد من العُمانيين من شرق إفريقيا (مقاطعة زنجبار العُمانية القديمة).
وعن قطر، يورد التقرير ان القوات المسلحة القطرية تتكوّن من أغلبية ساحقة (تصل إلى 85 في المئة) من المرتزقة يأتي كثيرون منهم من باكستان والسودان، ومؤخرًا من كولومبيا أيضًا. جندت الدوحة 6000 جندي صومالي في سنة 2016 وما لا يقل عن 360 فردًا سودانيًا في قواتها الأمنية.
وبخصوص السعودية، يقول التقرير انه، نظرًا لعدد السُكان الكبير في المملكة العربية السعودية، فإنها تستضيف نسبة أصغر نسبيًا من الجنود المتعاقدين في قواتها بالمقارنة بغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من أنها عيّنت كثيرين لخوض حربها في اليمن. ويؤكد أحد الخبراء أن القوات البرية السعودية في اليمن تتكون بكاملها تقريبًا من جنود متعاقدين بمن فيهم يمنيون تم تعيينهم محليًا. لطالما خدم كثيرون من الباكستانيين في المملكة. ففي أواخر الثمانينيات مثلاً، خدم عشرات الآلاف في مجموعة كاملة من الأدوار العسكرية، من الوظائف الوضيعة إلى تقديم التدريب والمساعدة التقنية. وبالإضافة إلى الجنود المتعاقدين من إفريقيا وآسيا، تستضيف المملكة العربية السعودية أكثر من 1000 جندي أميركي و300 عنصر ومقاول عسكري بريطاني.
وبشأن الامارات، يرصد التقرير ان الإمارات العربية المتحدة تشبه دول الخليج الغنية الأخرى في ما يتعلق بالعدد الكبير من الجنود الأجانب المتعاقدين. وينحدر ما لا يقل عن 70 في المئة من الرجال المجندين في الإمارات من عُمان واليمن. وفي الآونة الأخيرة، أبدت الإمارات العربية المتحدة حماسة للجنود الكولومبيين الذين يتمتعون بعقود من الخبرة في قتال حرب العصابات. وقد أبرم مئات منهم عقودًا في الإمارات العربية المتحدة، لأن رواتبهم أعلى عدة مرات من دخلهم في وطنهم. وقداستعانت الإمارات العربية المتحدة بشركات أمريكية مثل شركة Reflex Responses (التي أسسها ويديرها إريك برنس الذي ينتمي إلى شركة Blackwater سيئة السمعة). حصلت الشركة على عقد بقيمة 529 مليون دولار لتعزيز الجيش الإماراتي تضم القوات المحاربة لصالح الإمارات العربية في اليمن جنودًا متعاقدين من تشاد وتشيلي وكولومبيا وليبيا وبنما والنيجر والصومال والسلفادور والسودان وأوغندا، من بين جنسيات أخرى.
والسؤال هنا وسط تحولات دولية واقليمية متسارعة وخاصة بعد الازمة العالمية الناجمة عن تفشي وباء كورونا، هل يصمد الامن الخليجي بمقهومه التقليدي؟
وهل الاوضاع الراهنة فيما يتعلق بممارسات امريكا، وبقوام القوات المسلحة لدول الخليج، قادر على معالجة الانكشاف الاستراتيجي الخارجي والداخلي على السواء؟