(أحمد شوقي/ راصد الخليج)
بعد التّوتّر الشّديد ونذر التّصادم بالمَنطقة، وخاصّة بالخليج، فمن الواجب التّحلي بأقصى درجات الحِكمة والمَسؤولية، وخاصّة وأنّ حرباً شاملة، ستكون مدمّرة للجميع دون حسابات ضيّقة تتعلّق بمنتصر وخاسر.
فبعد عقود من صراع الإرادات، وما حقّقه محور المقاومة من صمود أمام الحصار، فإنّ النّتيجة الطبيعيّة هي التّفاهم والحوار، وليس جلب العدو الصّهيوني وراعيه الأمريكي إلى المنطقة ليعمل بالأصالة بعد أعمال الوِكالة، ويتحوّل الصّراع إلى عسكري مدمّر بعد صراع الحصار ومحاولات العُزلة.
المسؤوليّة التّاريخية ومسؤولية أنظمة الخليج تجاه شعوبها، تُحتّم التّعقل وعدم المضي في شوط الدّمار إلى نهايته، لأنّ أوّل الخاسرين سيكون النّظام الخليجي برمّته، والقائم على مقاربة الثّروة في مقابل الحماية الخارجية، لتتحوّل إلى مقاربة مختلفة تماماً، قِوامها الإحتلال المباشر والتّموضع وخسارة الثّروة ومُصادرتها، وتحوّل الخليج لجبهة حرب مفتوحة.
والسؤال الذي يشغل الكثيرين اليوم، هو وضع السّعودية وإلى أين تتّجه مساراتها؟
ولعلّ تأخّر السعودية رسمياً في الإلتحاق بركب التّطبيع المجّاني الذي قامت به الإمارات والبحرين والسّودان، شكّل هامشاً مطمئنّا للمُراجعة وفَرملة المسار الخطير الذي يتّجه بالمنطقة لصدام حتمي، ولكن المؤشرات الخطيرة الأخرى الخارجة من السعودية أيضاً، تُجهض هذا الإطمئنان، بل وتُشير إلى مسارات أخطر وأقرب للصّدام.
وفقاً لوكالات الأنباء، وحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي "غالي تسهال"، حصلت شركة "يسرائير" الإسرائيليّة على موافقة السعودية، بمرور أوّل رحلة تجارية مُقرّرة، بعد ضغط مارسته واشنطن على الرياض.
وقالت قناة "كان" الرسمية: "المُوافقة السعودية جاءت بعد تدخّل "جاريدكوشنر" لدى المملكة، لافتةً إلى أنّ "الرّحلة من تل أبيب إلى دبي ستستغرق ساعتين ونصف الساعة".
وبعبور الطيران الإسرائيلي الأجواء السعودية، تنخفض مدّة الطيران بين تل أبيب وأبوظبي إلى أقل من 3 ساعات، مقارنة بـ7 ساعات سابقاً.
وهذه الخطوة تشي بأنّ السّعودية تتّجه للتّطبيع علناً وتسهيله، وأنّ التّلكؤ في القرار لم يكن مبدئياً، وإنّما تعلّق بظرف داخلي، وأنّ الضّغوط الأمريكية واجبة النّفاذ في الحالة السعودية.
الأمر الآخر، وهو أنّ الرّياض لا تلجأ حتّى للتّخفيف من حدّة العداء، فبعد الجريمة الصّهيونية في حقّ العالم النووي الإيراني، الشهيد محسن فخري زادة، أدانت كل من قطر وعُمان والإمارات حادث اغتيال العالم النووي الإيراني، وتبعتهم كل من الكويت والبحرين، فيما بقي التّرقب لموقف السعودية الصّامت!
وهنا، بالإضافة إلى الموقف الأخلاقي المُعيب بعدم إدانة جريمة بشعة وقذرة كهذه، فإنّ مؤشر التّصعيد يرتفع لمستويات خطيرة، وكانت السّعودية تبارك الجريمة وتقرّها، أو ربّما تضع نفسها في موضع الشّبهة، وخاصةً مع تزامن الجريمة مع زيارة نتنياهو للسعودية!
كل ما سبق يضاف إلى ما أكّدته وزارة الدّفاع البريطانية، مؤخراً، من تواجد لقوّات بريطانية بالسعودية، حيث أكّدت بريطانيا ما كشفته صحيفة "الإندبندنت" بشأن إرسال قوات لتأمين المنشآت النفطية السعودية، وقالت إنْ الأمر عقب الهجوم الذي طال مصفاة لأرامكو، في سبتمبر 2019.
وأوضحت الوزارة البريطانية أنّها أرسلت جنوداً إلى السعودية، في فبراير من العام الجاري، لكنّها رفضت كشف عدد هؤلاء الجنود أو مدّة مهمّتهم؛ بسبب السرية العملياتيّة.
ونقلت "إندبندنت" عن الوزارة أنّ هناك حاجة إلى مدافع من الفوج الـ16 للمدفعيّة الملكية للمساعدة في الدّفاع ضدّ ضربات الطّائرات المسيرة.
وكان الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدّفاع السعودي قد أعلن، في يونيو الماضي، إرسال بريطانيا قوات عسكرية ومنظومات دفاعية إلى المملكة، دون تفاصيل.
هنا نحن نتحدّث عن تطبيع وتنسيق مع العدو واستجلاب قوات أجنبية وتصعيد سياسي خطير لا يُمارس حتّى حكمة امتصاص الغضب والإبتعاد عن حافة الهاوية.
وهو وضع خليجي غير مسبوق يُنذر بحرب مدمّرة تطال بلدانا لم تتورّط في السّابق في نيران الحروب ولم تُعاني من تداعياتها بل اكتفت أن تكون مُموّلاً لها.