(أحمد شوقي/ راصد الخليج)
رغم وجود قناعة دولية عامّة أنّ أمريكا لها ثوابت استراتيجية كبرى لا تتغيّر بتغيّر شخوص الرؤساء وأسمائهم وأحزابهم، إلّا أنّه وبالمقابل، هناك قناعة مقابلة مفادها أنّ الاستراتيجيات تتحوّر وتتغيّر بتغيّر الظروف والتّوازنات مما ينتج عنها تغيرات جيو استراتيجية واضحة تبدو متناقضة مع ثوابت سابقة!
ولأسباب متعدّدة، فإنّ مكانة الشرق الأوسط لدى الفكر الاستراتيجي الأمريكي تراجعت، ولكنّها لم تخرج من الثّوابت لتعلّقها البنيوي بالثابت الاستراتيجي الأوراسي ونظرية قلب العالم المسيطرة على الفكر الدولي لمختلف المعسكرات، وإنّما يمكن القول أنّ هناك تراجعاً في الأولوية لصالح منطاق أُخرى نظراً للمستجدات التي طرأت على التّوازنات.
ولربّما اتّصالات بايدن فور تولّيه الرئاسة عكست هذه الأولوياتـ فقد اتّصل بايدن بالفعل بعدد من زعماء الدول منها الصين والمكسيك وبريطانيا والهند وفرنسا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وروسيا. بينما لم يتّصل بعد بأي من حلفاء الخليج أو حتّى برئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو.
وهناك تفسير يبدو مقبولاً، كشف عنه الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يدلين يتعلّق بسبب عدم اتّصال الرئيس الأمريكي جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حتّى الآن، فقد قال يدلين: "أعتقد أنّنا بحاجة إلى أن نفهم أنّنا لسنا في مركز العالم، وقال: "عندما دخل بايدن البيت الأبيض، واجه مشاكل خطيرة، خاصّة في الداخل. والمشكلة الوحيدة التي يعاني منها الحزبان هي الصين، تليها روسيا وكوريا الشمالية، ويأتي الشرق الأوسط في ذيل القائمة".
ولمكانة الاقتصاد في الاستراتيجيات الدولية، فيبدو أنّ المؤشرات الدولية التي تتوقّع تراجع مكانة النّفط يمكن أن تفسّر تراجع المكانة التي رفعت الدّول المعتمدة على النفط في ميزان السياسة الدولية، ويمكن أن تكون مؤشرات أيضاً على تراجعها كأولوية أمريكية.
وقد ورد في تقرير لمركز البحث، كاربون تراكر، أنّ بعض الدول النفطية قد تخسر 40 في المئة من ميزانيّاتها مع توجّه العالم للتّقليل من استخدام الوقود الأحفوري.
ويقدّر التقرير الخسارة الإجمالية لجميع الدول المنتجة للنفط بما يقارب 13 تريليون دولار، (بأسعار الدولار في عام 2020)، ذلك لأنّ جهود التّحكم في ارتفاع درجات الحرارة على الأرض تسعى إلى إزالة الكربون في إنتاج الطاقة.
ويصف مركز البحث تقريره بأنّه إنذار للدّول المنتجة للنفط والمسؤولين عن السياسة الدولية، الذين وضعوا مخطّطاتهم على أساس أنّ الطلب على النفط سيواصل ارتفاعه إلى غاية عام 2040.
ويقول المركز إنّ الطلب سينخفض ليحقّق أهداف التغيّر المناخي، وإنّ الأسعار ستكون أدنى ممّا تتوقّع الدّول المنتجة والصناعات النفطية.
وتشمل خسارة 13 تريليون دولار في الإيرادات دولاً لا تعتمد اقتصاداتها على النفط أساساً، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والصين والهند.
ولكن التقرير يركز على مجموعة من الدّول ستكون الخسارة أكثر فداحة بالنسبة لها، وهي 40 دولة يسميها "الدول النفطية".
ويتوقّع التّقرير أن تتكبّد ميزانيّات هذه الدول خسارة حادة تصل إلى 46 في المئة من إيراداتها من النفط والغاز.
وبالنسبة لسبع دول أخرى منها السعودية يفوق الاعتماد على إيرادات النفط 60 في المئة.
كما تواجه بعض الدول خسارة كبرى في ميزانياتها، إذ يتوقّع أن تخسر أنغولا وأذربيجان 40 في المئة على الأقل من إيراداتها. بينما يتوقّع أن تخسر 12 دولة أخرى من بينها السعودية والجزائر ونيجيريا من 20 إلى 40 في المئة من إيراداتها.
ويضيف التقرير أنّ هذه الدول قد تشهد اضطرابات اجتماعية بسبب نقص النّفقات وقلّة تمويل الأجهزة الأمنية، التي تتولّى منع الاضطرابات.
ويُضاف إلى ذلك أنّ إدارة بايدن تتبنّى نهجاً يعمل على تراجع مكانة النّفط أيضاً، ويلقي تقرير لبي بي سي، الضّوء على ذلك حيث يقول أنّه لطالما كان الوقود الأحفوري حجر الأساس لازدهار الولايات المتحدة لأكثر من قرن، فاقتصاد البلاد وأمنها ومجتمعها يعتمدون عليه، لكن على مدى الأيام القليلة الماضية منذ تنصيبه، شنّ الرئيس الأمريكي الجديد حرباً على الفحم والنفط والغاز الطبيعي بحسم فاجأ الجميع.
وتحدّث التقرير إلى الرجل الذي كلّفه جو بايدن بمهمة رسم خططه لمكافحة التغيّر المناخي، ألا وهو جون كيري.
وأكّد كيري "أنّها واحدة من أهم أولوياته بلا شك على الإطلاق. وأنّه سيحقّق تقدّماً في هذه القضية أكثر من أي رئيس سابق".
ويقول الناشط البيئي بيل ماكيبين "هذا السيل من التصرفات المتلاحقة يترك شعوراً بتبنيه – أي بايدن - تكتيك الصدمة والتّرويع (المستخدم في المعارك الحربية)".
ويعتقد أنّ الهدف من سيل الأوامر التنفيذية يتمثّل في إثبات موقف معيّن، حيث يضيف ماكيبين إنّ الرئيس يريد أن يبعث "إشارة قاطعة بشأن نهاية عهد وبداية آخر".
وهناك تقرير اللّجنة الحكومية الدولية لتغيّر المناخ، يشير إلى افتقار معظم حكومات دول الشرق الأوسط إلى الإرادة السياسية، للتّخلص التّدريجي من الوقود الأحفوري بالسرعة اللّازمة.
ويُشير التقرير إلى أنّه، وبالرّغم من أنّ "98 في المئة من إنتاج الطاقة الكهربائية في الإمارات يعتمد على الغاز، الذي يعدّ أقل ضرراً لجهة إنتاج الانبعاثات الغازية مقارنةً بالفحم، فإنّه يُستخدم 70 في المئة منها لتشغيل محطات التّحلية، وربّما يكون ذلك سبباً رئيساً في ارتفاع نسبة الانبعاثات الغازية، وشح المياه يمثّل تحدّياً ضخماً لجميع دول المنطقة، ولا سيما دول الخليج".
هنا نحن بصدَد توجّه عالمي جديد تتبنّاه أمريكا يخرج بنا من عصر الطفرة النفطية وما تسببت به من مكانة لدول الخليج لم يتمّ حسن استغلالها والبناء عليها لصالح الأمّة وقضاياها، إلى عصر قد يشكّل التّيه والاضطراب ولا نعلم هل استعدّت له دول الخليج أم لا!