أحمد شوقي- راصدالخليج
صمت الشعب الخليجي زمناً طويلاً حتّى صار مثلاً يُضرب للشعوب التي لا حراك لها أمام السلطة، وصار نموذجاً للصّمت أمام الأنظمة الأوتوقراطية ولكن من نوع يحمل بعض الميّزات الاقتصادية بديلاً عن الصمت، مقابل شعوب أخرى قد تخضع خوفاً من القمع دون هذه الميّزات.
وحتّى لو كانت المميزات الاقتصادية للشعب الخليجي هي الفُتات من عوائد النفط مقابل ما يناله السلاطين والملوك والأسر الحاكمة، إلّا أنّ هذا الفُتات مع قلّة عدد السكان، نجح في خلق استقرار مجتمعي خليجي رغم التّمرير الشعبي لممارسات سياسية معيبةـ لا سيما في السنوات الأخيرة والتي خرج بها التّطبيع مع العدو الصهيوني للعلن.
ومع المستجدات الاقتصادية الدولية وتواتر التقارير عن التراجع الخليجي المرتقب في مصاف الدول الغنية بتراجع أسعار النفط وتراجع أهميته لصالح مصادر أخرى للطاقة النظيفة وفقاً للتّوجه العالمي، بدأت التقارير تبثّ نذر الخلل بالاستقرار الاجتماعي الخليجي، بناءً على تراجع الوضع الاقتصادي للشعوب وفقدان قدر كبير من الرّفاهية المعتادة، وصولاً إلى نذر تزايد البطالة وشبح الفقر لقطاعات ليست قليلة.
ومع هذه التّقارير، فوجئ الخليجيون بخبر إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة عن إنشاء صندوق بقيمة 10 مليارات دولار، يستهدف الاستثمار في قطاعات استراتيجية في (إسرائيل).
وذكرت وكالة "وام"، أنّ ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تلقّى اتّصالا هاتفياً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، جرى خلاله بحث تقدّم العلاقات الثنائية في ضَوء معاهدة السلام التي تمّ توقيعها بين البلدين.
وعقب الاتصال، تمّ الإعلان عن إنشاء الصندوق، الذي ستقوم الإمارات من خلاله بالاستثمار في (إسرائيل) ضمن قطاعات استراتيجية تشمل الطاقة والتّصنيع والمياه والفضاء والرعاية الصحية والتكنولوجيا الزراعية وغيرها.
وسيركّز الصندوق على "مبادرات التنمية وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين"، وسيتمّ تمويل الصندوق من مخصّصات من الحكومة ومن مؤسسات القطاع الخاص.
ولنا هنا وقفة مع بعض ما جاء بالتقارير الاقتصادية المعتبرة، والتي تفيد بأنّه، وقبل تفشي وباء كورونا، توقّع صندوق النقد الدولي أنّ ثروة الخليج البالغة تريليوني دولار ستنفد بحلول عام 2034، وستجد البلدان صعوبة متزايدة في تمويل ميزانياتها والحفاظ على ربط عملتها بالدولار، وقد يؤدي تباطؤ خلق الوظائف في القطاع العام إلى تأجيج الغضب الشعبي.
وتضيف التقارير، أنّ محاولات فطم اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي عن اعتمادها الكبير على النفط حتّى الآن، لم تحقّق سوى نجاح محدود، وأعلنت الحكومات عن العديد من الرؤى والاستراتيجيات، التي تركّز على التّنوع الاقتصادي، لكن لم تحقّق أهدافها بعد.
واقتُرحت فكرة من قبل ستيفن هيرتوغ من كلية لندن للاقتصاد، وعلي السالم، وهو مستثمر مُقيم في الخليج، مفادها أنّ الحل الأبسط والأكثر قابلية للتطبيق للمشكلة هو مفهوم الدّخل الشامل؛ فبدلاً من توظيف أشخاص في وظائف حكومية غير منتجة، ستدفع السلطات مدفوعات شهرية غير مشروطة لجميع المواطنين البالغين، بغض النظر عن حالة التوظيف أو الثروة أو الجنس.
ويبرّر مقترحو الفكرة ذلك، بأنّ الدخل الشامل يتفوّق على الوضع الحالي لعدّة أسباب؛
أولاً، من خلال استبعاد خيار التوظيف في القطاع العام، ستدفع الحكومات المواطنين بشكلٍ فعال إلى وظائف أكثر إنتاجية في القطاع الخاص، وستكون الشركات قادرة على خفض رواتبها مع احتواء التأثير على أنماط حياة موظفيها، لأنّ الدّعم الشهري من الحكومة سيزيد دخلهم.
وثانياً، سيؤدي خفض الأجور الإجمالية إلى خفض تكلفة السلع والخدمات المنتجة في دول الخليج، مما يجعلها أكثر قدرة على المنافسة، وهذا من شأنه أن يزيد جاذبيتها على الصعيدين المحلي والخارجي، ممّا يساعد الاقتصادات على التنويع بعيداً عن مجرد إنتاج الهيدروكربونات.
ووفقاً لمن يتبنّون هذا التّوجه، فإنّ الدّخل الشامل سيوفر توزيعاً أكثر عدلاِ وشفافية لمكاسب النفط غير المتوقّعة.
هنا نحن بصدد نوع من الدّعم النقدي المحدود مقابل تفكيك القطاع العام والتخلي عن دعم الدولة للسلع الرئيسية، وهي وصفة صندوق النقد لخراب الدول!
وفي تقرير آخر، كتب ديفيد فيكلينغ، وهو كاتب عمود في موقع "بلومبرغ" الاقتصادي الأميركي، تحليلاً في الموقع يقول به، أنّه، وفي العصر الذي كانت فيه دول الخليج وصناديقها السيادية آلات نقدية سحرية مستعدّة لدفع السعر الأعلى لشراء الأصول في كلّ قارة قد يقترب من نهايته، فقد تضطر هذه الدول إلى بيع هذه الأصول!
ويختم الكاتب قائلاً إنّ الملكيات الخليجية قد عامت على موجات هائلة من الثّروة على مدى نصف القرن الماضي أو نحو ذلك، لكن كل موجة تنكسر في النهاية. فلن ترى الأجيال القادمة مرّة أخرى الثروة التي يتمتّع بها الجيل الحالي. وربّما سلم الخليج من لعنة النفط حتّى الآن، ولكنها مسألة وقت فقط!
وهنا يجب التساؤل، عن خطوات الدعم الخليجي، خاصةً الإماراتي لدولة العدو الصهيوني، في وقتٍ تشير به التقارير إلى أوضاع مؤسفة، وهل فهمت أنظمة الخليج صمت شعوبها بأنّه صمت للعبيد مهما كانت الممارسات، حتّى ولو وقعوا في الفقر!