(أحمد شوقي/ راصد الخليج)
يبدو وأنّنا أمام محطّة جديدة من التّمادي الخليجي في معاداة الأشقاء وبثّ الفرقة بين الشعوب، وأمام حلقة جديدة من استخدام العقوبات الاقتصادية للضغط السياسي كسلاح موجّه للدّاخل العربي في وقت يتمّ تحييده خارجياً، بل على العكس، يتمّ إنفاق الأموال لشراء الرّضا الغربي وخاصّة الأمريكي.
وفي الخبر، فقد أعلنت السعودية، أنّها حظرت دخول الفواكه والخضراوات من لبنان، وكذلك حظرت نقلها عبر أراضيها، فيما قالت إنّه إجراء اتّخذ "إلى حين تقديم السلطات اللبنانية المعنية ضمانات لإيقاف عمليات تهريب المخدرات".
وجاء القرار بعد أن أعلنت السلطات السعودية، إحباط محاولة تهريب 2.4 مليون حبة مخدرات من لبنان كان مهربوها قد حاولوا إيصالها إلى المملكة داخل شحنة من فاكهة الرُّمان.
والخبر في ظاهره يبدو طبيعياً ومتعلقاً بأمور السيادة وعلى صلة بالحق في حماية أي دولة لحدودها وشعبها من خطر المخدّرات.
ولكن بوضع الخبر في سياق عام أوسع، يظهر أنّه عقوبة سياسية وإمعاناً في الضغط على لبنان ومزيداً من تأزيم الموقف ودفع لبنان للانهيار الاقتصادي في مقابل تشكيل حكومة يرضى عنها الغرب وتحظى بها السعودية بالنفوذ السياسي.
ولمزيد من التّوضيح، فإنّ هذا السياق العام يقول أنّ هناك العديد من الجهات التي تذهب صادراتها للمملكة السعودية وتضبط بها مئات قضايا تهريب المخدرات، فلماذا لم تحظر السعودية منتجات هذه البلدان؟
والسياق العام يقول أنّ لبنان كدولة ليست دولة معادية تستهدف السعودية بالأذى وبالتالي يكون الرّد بهذا الشّكل الدّفاعي العنيف.
كما أنّ السياق يقول بأنّ لبنان في أزمة كبرى ينبغي التّعاطي معها بأسلوب آخر مبني على التّسامح والاكتفاء بالتّحذير أو طلب تشديد الإجراءات أولاً كخطوة لازمة قبل الحظر.
كما أنّ التاريخ يقول أنّ الحظر السعودي يكون انتقائياً ولأسباب سياسية.
وكأمثلة على ذلك، ففي عام 2019 أعلنت الجمارك السعودية عن ضبط شحنة ضخمة من المخدرات عند معبر حدودي مع دولة الإمارات.
وبحسب وكالة الأنباء الرسمية السعودية (واس) تمكّنت الهيئة العامّة للجمارك ممثلةً في جمرك البطحاء الحدودي الرابط بين المملكة والإمارات من إحباط تهريب كمية ضخمة من المخدرات.
وأوضحت الجمارك، عبر حسابها الرسمي في "تويتر"، أنّ مفتشي الجمارك ضبطوا 10 ملايين و100 ألف حبة كبتاغون حاول سائقا شاحنتين إدخالها لأراضي المملكة.
وأضافت أنّ مفتشي الجمارك ضبطوا في البداية سائق إحدى الشاحنتين الذي اعترف أثناء التحقيق معه عن عزم صديق له تنفيذ عملية تهريب مماثلة عبر المنفّذ نفسه.
وقالت الهيئة على حسابها الرسمي على "تويتر" إنّه "في محاولة تُعدّ من أكبر محاولات التّهريب خلال السنوات الماضية.. الجمارك السعودية في منفذ البطحاء تتمكّن من إحباط محاولة تهريب أكثر من 10 ملايين حبة كبتاغون، وبالتّنسيق مع مكافحة المخدرات تمّ ضبط المستقبلين للكميّة".
وتعدّ هذه المحاولة – بحسب هيئة الجمارك – من أكبر محاولات التهريب، ولم تعلن المملكة إجراءات خاصّة لحظر التبادل التجاري عبر المنفذ.
ناهيك عن مئات القضايا بشأن المضبوطات في منفذ جدّة والتي تتجنّب الأخبار ذكر مصادرها أو البلدان القادمة منها الشّحنات المخبأ بها المخدرات!
وما يؤكّد أنْها عقوبات سياسية، هو أنّ الحظر السعودي لم يرتبط بالتهريب، ففي سبتمبر 2020 أكّدت صحيفة "جريك سيتي نيوز" اليونانية، أنّه في ظلّ تأخر اليونان والاتحاد الأوروبي في معاقبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلنت المملكة العربية السعودية حظرًا على جميع المنتجات التركية يبدأ في أكتوبر 2020
وأضافت أنّ هذه هي المرة الأولى التي يتمّ فيها حظر منتجات تركية في المملكة العربية السعودية منذ 30 عامًا من العلاقات التجارية بين البلدين.
وأشارت إلى أنّ تركيا تصدّر للمملكة الفواكه والخضروات والمواد الغذائية والأثاث ومعدات الفنادق.
وأوضحت أنّ الخطوة السعودية تعكس سرعة التّحرك العربي لمواجهة العدوان التركي وتحقيق انتصارات في الحرب الباردة مع أردوغان.
وبلحاظ أنّ هناك شحنات سابقة تمّ ضبطها في قضايا المخدرات، يتأكد الأمر بأنّ الحظر سياسي وليس أمني.
المنتجات الإسرائيلية:
ويزداد التعاطي السعودي سوءًا بعد تواتر التقارير عن انتشار منتجات العدو الإسرائيلي في الأسواق السعودية.
فقد نقلت عدّة وسائل إعلامية عن مصادر محلية في السعودية إنّ السلطات في الرياض تعتزم البَدء بإدخال المنتجات الإسرائيلية عوضًا عن نظيرتها التركية إلى أرض المملكة.
وأكّد تجّار سعوديون أنّ اجتماعاً عقد برئاسة وزير الاقتصاد بحث خلاله البديل عن المنتجات التركية وهي المنتجات الإسرائيلية .
وأشار التّجار إلى أنّ الوزير أكّد أنّ المنتجات الإسرائيلية ستصل إلى المملكة عبر الإمارات عقب توقيع الأخيرة اتّفاق التّطبيع.
وهذه التقارير لا تقتصر على التقارير الحديثة فقط، فمنذ العام 2006، أعلن اتّحاد أرباب الصناعة الإسرائيلي أن 16 شركة إسرائيلية تصدر منتجات إلى السعودية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مضيفاً أنّ عدد الشركات المصدّرة ارتفع بنسبة 70 في المائة مقارنة بعددها عام .2004
وذكر راديو إسرائيل وقتها أنّ الصادرات إلى السعودية، تشمل أجهزة طبية ومعادن وماكينات، وأنّ قيمتها ستقترب هذا العام (2006) من مبلغ مليون دولار.
هذا التأزيم للبنان والضغط على الأشقاء لن يفيد إلّا العدو الإسرائيلي، والذي يحلو للسعودية يومياً نفي نيّة التطبيع معه، بينما جميع الممارسات تشي بتطبيق ما هو أكبر من التطبيع!