(أحمد شوقي/ راصد الخليج)
تطوّرت الأمور باتّجاهات مأساوية ليتحوّل الدّور الخليجي من مجرّد تفريط إلى تواطؤ مع العدو، وليُصبح التّوظيف الأمريكي للخليج من مجرّد تحييد إلى دور وظيفي في الخطّة الأمريكية لإنقاذ العدو وإجهاض مكاسب مقاومة غزّة وإهدار تضحيّاتها!
فقد كنّا نعيب على الخليج عدم وقوفه وقفة صلبة واستخدام أوراق الضّغط التي يمتلكها لمُساندة القضية، ثمّ تطوّرت الأمور ليصبح الخليج خصمًا صريحًا للمقاومة، إلى أن كانت النتيجة الطبيعية لهذا المسار المُعيب هي التّحالف مع العدو.
وهنا نحن نطلق كلمة الخليج بشكلها العام رغم أنّ التّطبيع الرسمي يقتصر على الإمارات والبحرين، بينما التّطبيع المنتظر وفقًا لجميع الشواهد والممارسات بانتظار السعودية وربّما دول خليجية أخرى.
ونذكر الخليج بشكلٍ مطلق هنا لأنّ الخليج يتعامل ككتلة واحدة ولا يسمح لأحد بالنّقد لأي من دوله، وبالتّالي هو بمثابة إقرار للتّطبيع ما لم يعلن تبرؤه من الدّول التي أقدمت على الخطوة وما لم يتخلّى عن الممارسة التي باتت أقرب للعنصرية في نصرة الخليجي للخليجي بالحقّ والباطل.
نعم هناك تمايُزات في المواقف ولبعض دول الخليج مواقف مساندة لفلسطين مثل بعض مواقف قطر والكويت، لكنّها لا ترقى للمساندة الفعّالة طالما لم يتمّ ربط القضية بالعلاقة مع أمريكا وكلّ من يساند العدو الإسرائيلي.
اليوم تحوّلت الخُطط الأمريكية للتّعاطي مع الصراع إلى اعتماد شبه كلي على دور الخليج، فالمُتابع للتّصريحات والمقالات والتّوصيات، وما يعزّزها من ممارسات يرى أنّ الخطّة الأمريكية تسير بمسارات متوازية تعتمد كلّها على دور للخليج، وهو ما يجعل الأمر في غاية الخطورة على المستقبل العربي والإسلامي للخليج، حيث يَسير بمسار الخروج الكلي من الإنتماء للأمّتين.
هناك ثلاثة مسارات رئيسية تسير بها إدارة بايدن لإجهاض مكتسبات جولة سيف القدس الأخيرة، وقد لخّصها المحلّلون فيما يلي:
أوّلًا: مسار إعادة الإعمار مُقابل عدم القصف والصّمت على تجاوزات العدو وعدم السّماح للمقاومة بالإستفادة وتعميق حصارها .
ثانيا: مسار دعم السّلطة في مواجهة فصائل المقاومة وتشجيعها على عدم الإنحياز للخيار المقاوم واستمرار التّنسيق الأمني مع العدو والإبقاء عليها ممثّلًا للشّعب الفلسطيني حيث يسهل انتزاع التّنازلات منها.
ثالثًا: تشجيع المُضي في مسار التّطبيع مع العدو والتّركيز على إضافة دول جديدة وخاصّة المملكة السعودية.
هنا يُمكِننا استخلاص أنّ ثلث الخطّة الأمريكية قائم على الخليج حصرًا باعتبار أنّ التّطبيع الموصى به مع السعودية سيُعطي أبعادًا أُخرى للتّطبيع تُضفي عليه متانة كبرى باعتبارها بلاد الحرمين وقوّة عربية لا يُستهان بها، كما أنّ انضمام السعودية للإمارات يجعل ميزان القوّة بالخليج يميل للتّطبيع حتّى لو لم تستجيب بقيّة الدّول.
إلّا أنّ هذا لا يعني أنّ ثُلُثي الخطّة الآخرين لا يعتمدان على الخليج، فموضوع إعادة الإعمار ودعم السلطة توكل به مهام رئيسيّة للخليج من حيث الأموال والضغوط السياسية ودعم أطراف على حساب أطراف للوصول بالنتائج إلى ما يخطّط له الأمريكي ويرتضيه.
أي وباختصار ودون مبالغات، فإنّ جلّ الخطّة الأمريكية تعتمد على الخليج في تصفية القضية المركزية، وهو ما يُنذر بانسلاخ كامل للخليج عن الجسد العربي والإسلامي بعد أن كان الأمر مجرّد شذوذ وممارسات معيبة.
وفي ظلّ صمت الشعب الخليجي فإنّ الأمور لا بُدّ وأن تفهم أنّها رضا أو استسلام تام، والمحصّلة واحدة وهي خروج الشعب الخليجي من المعادلة وليس الشعب الخليجي فقط بل كلّ الشعوب التي تصمت على هذه المهانة، وخاصّة وأنّنا نرى شعوبا أخرى حيّة لا تزال تعبّر عن انتمائها حتّى وهي تحت القصف والحصار كما يفعل الشعب اليمني.
الأمر هنا يتخطّى النّقد والإستياء، بل يرقى إلى التّحذير لهذه الدّول وشعوبها، بأنّ المعارك الكبرى المنتظرة لتحرير فلسطين لن ترحم من اصطفّ مع العدو، وربّما تدفع الشعوب ثمن صمتها.