(أحمد شوقي/ راصد الخليج)
يبدو أنّ الدّور الخليجي تجاوز الدّعم للعدو الصهيوني وتجاوز خدمة المصالح الجيو ستراتيجية الأمريكية المتناقضة مع الأمن القومي العربي، لمستويات أكبر وأخطر، مفادها تدمير الدول العربية وتفكيكها، والعبث بالأدوار الإقليمية التاريخية والطبيعية لدول كبرى بالمنطقة. والدور الخليجي في حرب سوريا غني عن البيان إن لم يكن معلَن، ولكنّ الخفيّ والذي تُشير له جميع الشواهد هو الدور الخليجي في تدمير مصر وارتهانها ووضعها في تحدّ وجودي غير مسبوق. ربّما العداء الخليجي للنظام السوري يكون مفهومًا في إطار تناقض المشروعين، حيث ينخرط النّظام السوري في محور مقاوم، استطاع تحجيم الدور الأمريكي في الإقليم، وهو ما يتناقض مع التّوجه الخليجي التّابع لأمريكا، بينما النّظام المصري رسميًا ومنذ عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، أعلن انخراطه في المشروع الأمريكي وأعلن أنّ علاقته بأمريكا هي علاقة استراتيجية، وبالتالي هو زميل للخليج في ذات المعسكر. وليس ذلك فقط، بل يعلن النظام المصري بشكل شبه يومي، أنّ أمن الخليج من أمن مصر، وبالتالي فمن المفترض عمليًا أن يكون أمن مصر من أمن الخليج أيضًا، وأن يعمل الخليج ما في وسعه لحماية أمن مصر وخاصّة، في قضية وجودية كقضية النيل الذي يمثّل شريان حياة المصريين ويأتي على رأس قائمة الأمن القومي المصري متقدّمًا حتّى على قضايا الحدود.
بينما ما نراه عمليًا هو عكس ذلك تمامًا، فالدور الخليجي المشبوه في دعم إثيوبيا أصبح معروفًا وغنياً عن أي تسريبات، ولا يقتصر هذا الدور على دعم نظام يحمل توجّهات مناقضة أو معادية لمصر، بل هناك دعم مباشر لسدّ النّهضة والذي يشكّل منصّة الإطلاق الرئيسية للتّصويب على هذا الأمن القومي المصري. وعلى المستوى السياسي، فقد كشف بيان وزارة الخارجية الإماراتية بعد وصول الأمور والمفاوضات لطرق مسدودة، عن موقف أقرب للحياد منه لدعم مصر والسودان بالدّعوة إلى "حوار بنّاء" بين الدّول الثّلاث! وعلى حدّ تعبير راديو مونت كارلو الفرنسي، (كان من اللّافت للنّظر غياب الموقف الإماراتي عن هذا الموقف العربي الخليجي المحدّد والواضح، ذلك إنّ أبو ظبي انتهزت فرصة تهنئة مصر بتعويم الباخرة العالقة في قناة السويس، لتتحدّث عن أزمة سدّ النهضة ولكن بلهجة مغايرة إذ أبدت حرصها الشديد على "استمرار الحوار الدبلوماسي البنّاء والمفاوضات المثمرة لتجاوز أية خلافات حول سدّ النّهضة بين الدول الثلاث، مصر وإثيوبيا والسودان، وأهمية العمل من خلال القوانين والمعايير الدولية المرعية"، ووضعت أبو ظبي نفسها في موقع المحايد والوسيط بين الطرف الأثيوبي والمصري). وهذا لا يعني أنّ المواقف الخليجية الأخرى متقدّمة عن الموقف الإماراتي عمليًا، بل هي مواقف كلامية، في حين إنّها مساندة لإثيوبيا عمليا، بل ومساهمة في السدّ وتمويله وبانتظار ثماره!
تُفيد المعلومات أنّ السعودية والإمارات تملكان أصولًا في إثيوبيا تمثّل بالنسبة إليهما مصدر أمن للغذاء والثروة الحيوانية. وخريطة الإستثمارات الخليجية في إثيوبيا تقول أنّه في عام 2008 أطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز، مبادرة تحت عنوان "الإستثمار الزراعي الخارجي" والتي بدأت أولى محطّاتها في إثيوبيا. إذ استطاعت أن تحصل على آلاف الأفدنة للزراعة خلال السنوات القليلة الماضية. ومن ثمْ لحقت بها الإمارات لتتحوّل إثيوبيا ومن بعدها السودان إلى سلّة غذاء مُتاحة بشكلٍ دائم لأهل الخليج. ووقتها بلغت الإستثمارات السعودية في إثيوبيا 629 مليون دولار في مجالات الزراعة والتّعدين. ومع مرور الزمن زادت إلى أن وصلت إلى نحو 50 مليار ريال أي 13.3 مليار دولار. إذ تتنوّع المشاريع الإستثمارية في مجالات مختلفة أهمها الزراعة، حيث يشارك السعوديون في أكثر من 294 مشروعًا استثماريًا في البلاد. كما تنوّعت استثمارات العمودي صاحب الثروة التي تبلغ 8.5 مليار دولار، في مجالات متنوعة وليست الزراعة فقط. إذ تُدير شركته Midroc منجم الذّهب التّجاري الوحيد في إثيوبيا. فضلًا عن إنشاء أكبر مصانع لإنتاج الإسمنت في إثيوبيا عام 2011.
وحسب تقارير إثيوبية، فإنّ العمودي تبرّع بأكثر من 88 مليون دولار لصالح سدّ النهضة. ما أثار التساؤلات حول موقف السعودية الداعم للسد ومحاولات كسب ودّ الإثيوبيين لفتح مجال للإستثمار بشكلٍ أكبر وأوسع. خاصّة في مجال الزراعة لما يمثّل من أهمية لدى السعودية. وبالفعل حصلت شركة سعودي ستار، المملوكة لـ"العمودي"، على حقّ انتفاع لنحو 100 مليون متر مربع لمدّة تصل إلى 50 عامًا. ومن ثمّ إضافة 4 ملايين جدد على أن يكون الإيجار السنوي لكلّ فدان نحو 9.42 دولار سنويًا. وبخصوص الإمارات، تقول المعلومات أنّ حجم استثمارات الإمارات في إثيوبيا يتجاوز حاجز المليار دولار، حيث بدأت أولى خطواتها في 2014. قبل أن تتطوّر وتتحوّل إلى نقطة استثمارية ضخمة في عام 2016 حيث تمّ توقيع اتّفاقية جمعت كلّ من إثيوبيا والإمارات. إذ تُتيح الإتفاقيات المبرمة بين البلدين حرية الإستثمار في كافّة المجالات دون خوف. وتتنوّع الاستثمارات