(أحمد شوقي\ راصد الخليج)
لعل الرّفاهية الاقتصادية الكبيرة المتولّدة إثرَ الطّفرة النّفطية الخليجية، جعلت هناك نوعا من التّكتل الخليجي والذي اختلطت به عوامل الأخوّة وعوامل المصالحة، ولم يكن هناك فرزًا حقيقيًا لغلبة كلّ عامل على الآخر، بحكم غياب الإختبارات التي تُبرز التّناقضات وبالتالي تختبر مدى غلبة كلّ عامل على الآخر.
ولعلّ الأزمة الخليجية الشهيرة والتي اصطفّت بها الإمارات والسعودية في مواجهة قطر، كانت سابقة خليجية في عصر الطّفرة النّفطية، دقّت جرسًا كبيرًا للإنذار، حول هشاشة التكتّل وهشاشة العلاقات والتي وصلت لحافة الغزو العسكري، وفقا للتقارير الغربية التي أفادت بذلك لولا تدخّلات الغرب حفاظًا على مصالحه وإبقاء الخليج مستقرًا وعدم العبث بالمصالح الأمريكية في هذا النّطاق الذي يشكّل أهمية كبرى للمصالح الغربية.
الجديد هنا، هو أنّه بعد التّوجه للمصالحة الخليجية، برز صراع جديد بين حلفاء الأمس، الممثّلين في السعودية والإمارات، وهو وإن حمل صورة خلاف أو مجموعة من الإجراءات والإجراءات المضادّة، إلّا أنّ الأمور يبدو وأنّها تحمل أبعادًا أكبر رصدتها معظم التقارير الغربية.
ولعلّ أهم ما رصدته التقارير، هو أنّه، تاريخياً، تفاخرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة بعلاقات وثيقة، ولكن في الوقت الذي تحاول فيه الدولتان تنويع اقتصاداتهما بعيدًا عن الهيدروكربونات ، سيتنافس البلدان بشكلّ متزايد على الموارد المحدودة في قطاعات مثل السياحة والدفاع.
وأرجعت التقارير تحول الأمور إلى صراع، بسبب فشل التنمية السعودي وفشل طموحات محمد بن سلمان ورؤيته 2030، بعد مناخ عدم الثقة الأمني والذي عرقل الإستثمارات، على خلفية سياسات الأمير محمد بن سلمان في الداخل مع المعارضين والمنافسين السياسيين وكذلك التّنكيل بأسماء اقتصادية وسياسية كبرى في الأسرة الحاكمة.
ورصدت التقارير الصراع الاقتصادي السعودي الإماراتي، حيث قالت إنّ السعودية تواجه منافسة اقتصادية شرسة في "مجلس التعاون الخليجي"، ضمن مجالات المشاريع الضخمة والمالية والسياحية، وإنّ الإمارات هي المنافس الرئيسي لها.
وأنّ الرياض تحاول أن تحلّ محل دبي كمركز مالي في المنطقة. ومن الأمثلة الواضحة لذلك هو "برج جدّة" في السعودية الذي تسعى المملكة من خلاله إلى تخطي "برج خليفة" كأطول مبنى في العالم. وسرعان ما أعقب انطلاق أعمال البناء في جدّة العمل على "برج خور دبي"، وهو مشروع سري لم يُكشف عن ارتفاعه النهائي بعد وأنّ الغرض الوحيد منه هو أن يكون الميزة الخفية للإمارة بُغية حرمان جدّة من سعيها إلى تحقيق رقم قياسي عالمي والإحتفاظ بلقب "أطول برج في العالم" لدبي.
كما رصدت التقارير أيضًا، التّصعيد الأحدث المتمثّل بإعلان جديد صادر عن السعودية يقضي بحصر العقود الحكومية بشركات يقع مقرّها الرئيسي في الرياض أو الدمّام أو جدّة ويعتبر المعلقون هذه الخطوة بمثابة مسعى متشدّد أو حتى يائس لحض الشركات على نقل مقرّات عملها من الإمارات إلى المملكة.
ولعلّ الصاعق الأكبر لتفجير الصراع، هو أنّه، وبالإنتقال من الوقود الأحفوري إلى التكنولوجيا المتقدمة، سيتحوّل الخليج من قوة كبيرة في مجال صغير إلى قوة صغيرة في مجال كبير: فسيتعين على دول "مجلس التعاون الخليجي" أن تقف في وجه منافسين عالميين على غرار كوريا الجنوبية و14 شركة ضمن "فورتشن غلوبال 500" – بما فيها الرائدتان في عالم التكنولوجيا "سامسونغ" و"إل جي"، والشركتان العملاقتان في عالم السيارات "هيونداي" و"كيا".
ولم تغفل التقارير المراقبة، التنافس العسكري، حيث أظهرت الإمارات العربية المتحدة علامات مقلقة للسعودية بشأن القيادة الإقليمية، حيث قوّضت الدور الريادي المعتاد للرياض، فقد قادت أبو ظبي الحملة إلى التطبيع مع (إسرائيل)، ونتيجة لذلك تظلّ الحكومة الخليجية الأفضل موقعًا لاستلام طائرة F-35 المتقدمة من الولايات المتحدة.
ويتوقّع الغرب، أنّ الروابط العميقة التي تدعم العلاقات السعودية الإماراتية ربما تظلْ قائمة، إلّا أنّ المنافسة على دولارات الإستثمار المحدودة والعمال والسائحين والصْفقات التجارية ستغيّر علاقتهم. في هذا الفضاء التنافسي، ولن يحاولوا فقط جذب الأعمال بعيدًا عن بعضهم البعض، بل قد يميلون أيضًا إلى تكرار أنواع العلاقات العامّة والحملات الاقتصادية التي اتّخذوها ضدّ منافسين آخرين أكثر علانية في المنطقة، مثل قطر و سلطنة عمان.
بينما نتوقّع نحن أنّنا مقبلون على أزمة أكبر من الأزمة القطرية، وأنّ سلوك الإمارات الذي يستقوي بالعدو الإسرائيلي كبوابة لقيادة الخليج والمنطقة، سينعكس سلبًا بالخطر الأمني الشديد على الإمارات والخليج ككل.
ومن الواضح وفقًا لسير الحوادث وتطوّر الأوضاع الإقليمية والدولية والاقتصادية، أنّ عصر التكتّل الخليجي قد ذهب بغير رجعة، وأنّ منطقة الخليج تتحوّل حثيثًا لتصبح بؤرة للصراع والتّجاذبات الإقليمية والدولية، بدلًا من كونها بؤرة للتّكتل كما كانت في العقود الماضية.