(أحمد شوقي\ راصد_الخليج)
ليس خافيًا على أحد أنّ العقيدة العسكرية الخليجية تعتمد بشكلٍ كامل على الولايات المتّحدة في تأمين الأمن الطاقي والعسكري، كما لا يخفى أيضًا، أنّ هناك تغيّرات طرأت على العقيدة الأمريكية بخصوص الأهمية الإستراتيجية للخليج.
وقد تعزّزت السّياسة الأمريكية بالمنطقة والمعروفة بعقيدة "كارتر"، وفقًا للتّقارير، كردّ مباشر على فقد الولايات المتّحدة لأحد حلفائها الرئيسيين في المنطقة، وهو شاه إيران سنة 1979، وكردّ فعلٍ على الغزو السوفياتي لأفغانستان، وهي العقيدة التي اعتبرت أنّ أي محاولة للسّيطرة على منطقة الخليج ستُعتبر اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية.
بينما العقيدة الرّاهنة تنبع من الخطر الصيني والروسي والذي يفرض على أمريكا إعادة انتشار قواتها، وإنهاء ما يسمّى "الحروب اللّانهائية" في الشرق الأوسط.
ولبيان جدّية التّوجه الأمريكي الجديد، ينبغي رصد السياسات الأمريكية، وهو ما تأكّد في الإنسحاب من أفغانستان وبشكلٍ أقرب للفرار، وهو ما يبدو وأنّه على وشك الحدوث في العراق، بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للبيت الأبيض ومحادثاته مع الرئيس جو بايدن، والتي تمّ الإعلان فيها عن انسحاب جميع القوات القتالية الأمريكية من العراق بحلول نهاية هذا العام في إطار "الحوار الإستراتيجي بين الولايات المتّحدة والعراق".
وقد يرى البعض أنّ للخليج وضعية خاصّة بسبب مصالح الطّاقة وبسبب العداء بين أمريكا وايران، إلّا أنّ هذا ومع التّوجه الأمريكي الإضطراري بفعل تغيّر التّوازنات ونمو المقاومة للوجود الأمريكي، ليس صحيحًا، حيث أقدمت أمريكا بالفعل على تقليص قوّاتها ووضع خطط لإعادة الإنتشار.
كما أنّ جزءًا من التّواجد الأمريكي بالخليج كان مرتبطًا بالتواجد في أفغانستان، ومؤخّرا، قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، أنّ قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بانسحاب كلّ القوات الأمريكية من أفغانستان بمثابة ضربة مزدوجة، حيث يقوم بعض القوات الأمريكية المنتشرة في الخليج بدعم العمليات الأمريكية في أفغانستان، ويمكن سحب تلك القوات وإعادة نشرها لعمليات أخرى بعد إنهاء الولايات المتّحدة لمهمتها العسكرية في أفغانستان.
وأوضحت المجلة أنّ الإنسحاب الأمريكي من الخليج، هو بالفعل محل نقاش متجدّد، حيث رصدت أنّه، وفي السنوات الأخيرة، تعالت الأصوات المطالبة بإنهاء الحروب الأمريكية التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط، وقالت:
"يملك أنصار فكّ الإرتباط العسكري الأمريكي مع الخليج العديد من الأسباب، أوّلها أنّ الولايات المتّحدة ليس لديها مصالح حيوية في الخليج، حيث تتراجع الأهمية الإستراتيجية للمنطقة نتيجة زيادة إنتاج الطاقة، والتنوع في سوق الطاقة العالمية".
الأمر الثاني، يتمثّل في أنّ التّهديدات الرئيسة للأمن والإستقرار الإقليمي هي أشياء داخلية، تعود إلى ضعف الدولة، والخلل الإداري، ولا تزال القوات الأمريكية غير قادرة على التّعامل مع مصادر هذا الصراع.
والأمر الثالث هو أنّ المصالح الأمريكية الرئيسة ليست الآن عرضة للتهديد، ويمكن الحفاظ عليها بتكلفة ومخاطر أقل، حيث لا تحتاج الولايات المتحدة للحفاظ على وجود عسكري مستمر في وقت السلم، لحماية التدفّق الحر للنفط، والدّفاع عن أمن (إسرائيل)، ومحاربة التّطرف، أو منع ظهور هيمنة إقليمية معادية."
والأمر الرابع، تستطيع الولايات المتّحدة توفير مبالغ مالية كبيرة إذا تمّ سحب القوات الأمريكية وعودتها إلى الوطن، وخامسًا، فإنّ القدرات العسكرية الأمريكية المنتشرة في الخليج يمكن أن يتمّ نشرها بشكلٍ أفضل في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، كي تكون هناك منافسة للقوى العظمى، مثل: روسيا، والصين."
هنا نحن أمام جرس إنذار للخليج الذي يعتمد أمنه على أمريكا، والتي قال رئيسه مبررًا انسحابه المذلّ من أفغانستان، بأنّ أمريكا لن تقاتل نيابة عن أحد!
فهل يتّعظ الخليج من الدّرس الأفغاني ويسوّي أموره وملفّاته مع دول الجوار بشكلٍ يراعي الجيرة، ويسوّي الملفّات الداخلية مع شعوبه وقواه السياسية بشكلٍ يراعي المواطنة؟