(أحمد شوقي/ راصد الخليج)
تعيش السعودية و معها دول الخليج اليوم أزمة استراتيجيّة كبيرة تتعلّق بالأمن القومي، وهو ما يُطلق عليه في العلوم السياسية مصطلح "الإنكشاف الإستراتيجي"، حيث تَبلورت الرؤية الأمنية وما ينبثق عنها ويعتمد عليها من سياسات خارجية وداخلية على الحماية الأمريكية سواء من حيث الحماية العسكرية، أو من حيث توفير الغطاء السياسي للممارسات والسياسات.
وقد بدا واضحاً في السنوات الأخيرة أنّ هناك انسحابًا تدريجيًا لأمريكا، والتّفاتة إلى مواضع استراتيجية أخرى بسبب المستجدّات التي طرأت على التّوازنات الدّولية، وهو ما وصل لذروته بالإنسحاب الأمريكي من أفغانستان وبشكلٍ مهين ومذلّ يكشف الأولويّات العاجلة لأمريكا والتي لا يصلح معها حتّى مراعاة الشّكل أو القليل من العناد والحفاظ على ماء الوجه.
وعندما كانت الطلقة في أفغانستان، كان الصّدى في الخليج بشكلٍ مباشر، حيث بدت علامات الإرتباك، والتي تصاعدت مع تسارع وتيرة الإنسحاب الأمريكي بشكلٍ يفوق توقّعات المراقبين.
ومنذ أيّام، قامت الولايات المتّحدة بإجلاء بطّاريات ثاد وباتريوت المضادّة للطّائرات، المتمركزة في قاعدة الأمير سلطان الجوية على بعد 115 كم من العاصمة الرياض.
ولم يقدّم البنتاغون تفسيرات لسبب إخلاء البطاريات، في وقتٍ يستمر هجوم الطائرات المسيّرة والصواريخ على الرياض وأهداف أخرى في السعودية من قِبل اليمنيين وهو ما يعكس إنسحابًا أمريكيًا دون عبء باتّفاقات حماية المملكة.
وقد صرّح الأمير تركي الفيصل الذي ترأس سابقًا جهاز الإستخبارات السعودي بأنّ المملكة تريد من الولايات المتّحدة أن تبدي تمسّكها بالتزاماتها تجاه الرّياض وإبقاء معدّاتها على أراضيها.
وفي تعليق لـ"سي إن بي إس" قال: "يجب أن نُعيد التّأكد من الإلتزام الأمريكي حيث أنّ الولايات المتّحدة عزّزت وجودها العسكري في المملكة العربية السعودية في عام 2019، ونشرت بطاريتي صواريخ باتريوت في أعقاب الهجمات على المنشآت النّفطية في البلاد"، وأضاف: "سحب صواريخ باتريوت من المملكة ليس مؤشْرًا على نيّة أمريكا المعلنة لمساعدة السعودية في الدفاع عن نفسها ضدّ أعداء خارجيين".
وذكر أنّه يأمل في أن تقدّم الولايات المتّحدة تأكيدات التزامها بنشر كلّ ما هو مطلوب للمساعدة.
ومن المعروف أنّ تصريحات الأمير تركي تعبّر عمّا يُريد النّظام السعودي قوله بشكلٍ غير مباشر، أو بالأحرى لا يجرؤ على قوله صراحة للإدارة الأمريكية وللرأي العام.
وبالتّالي فإنّنا أمام حالة فريدة في تاريخ المملكة تشهد هذا الإنكشاف الإستراتيجي المُشار إليه.
وقد رصدت التّقارير أنّ إعادة نشر الدّفاعات من قاعدة الأمير سلطان الجوية خارج الرياض، جاءت في الوقت الذي راقب فيه حلفاء أمريكا من دول الخليج العربية بقلق الإنسحاب الفوضوي للقوّات الأمريكية من أفغانستان، بما في ذلك عمليات الإجلاء في اللّحظة الأخيرة من مطار كابول الدولي المحاصر.
وأفادت وكالة فرانس برس، بأنّ دول الخليج العربية تشعر بالقلق بشأن الخطط المستقبلية للولايات المتّحدة، التي ترى تهديداً متزايداً في آسيا يتطلّب تلك الدّفاعات الصاروخية.
ونقلت الوكالة عن "كريستيان أولريتشن" الباحث في معهد جيمس بيكر للسياسة العامّة بجامعة رايس قوله: "التّصور مهم وهو أنّ المملكة العربية السعودية ترى الآن أنّ أوباما وترامب وبايدن - ثلاثة رؤساء متعاقبين - اتّخذوا ويتّخذون قرارات إلى حدّ ما تدلّ على تخلٍ أميركي عن الرّياض".
وممّا يؤكّد أنّ الأمور ليست على ما يرام بعكس بيانات سعودية تتحدّث عن قوّة العلاقة رغم سحب بطاريات الدّفاع الجوي، هو أنّه كان من المقرّر أن يتوجّه وزير الدّفاع الأمريكي لويد أوستن، في جولة بالشرق الأوسط في الأيام الأخيرة، إلى الرياض، لكن الزيارة أُلغيت بسبب ما وصفه المسؤولون الأمريكيون بمشكلات الجدول الزّمني.
وقد رفضت المملكة مناقشة سبب إلغاء زيارة أوستن، بعد سحب الدّفاعات الصاروخية.
هل تتّجه السعودية هنا إلى إسرائيل، أم تتوجّه شرقًا، أم تُصلح ذات البَين بينها وبين أشقّائها التي إرتكبت معهم حماقات وعدوان غير مبرّر؟