(فؤاد السحيباني/ راصد الخليج)
يخلط الإعلام والحديث الرّسمي السّعودي، خلال هذه الأيام الفارقة، بين كون حدث ما مفاجأة، بمعناها ومدلولها اللّحظي الجارف، وبين كلّ أزمة اقتصادية متوقّعة، بل ومنتظرة، ليقود نحو خلط أكبر بين غياب التّخطيط والرّؤية عن الحكومة السّعودية وأجهزتها، وبين كارثة اقتصادية قادمة حتمًا، أو هي قد حلّت بالفعل.
هذه المقدّمة كان لا بدّ منها، في متابعة السّعي الحثيث لدى مجلس الوزراء السّعودي، ولدى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتدشين العديد من المشروعات السياحيّة والعقارية الجديدة، في منطقة شمال غرب المملكة، الواقع على سواحل البحر الأحمر، في ظلّ كارثة انهيار عملاق التّشييد الصّيني، شركة إيفر جراند، إحدى أكبر الشّركات العقارية في العالم، والتي أصدرت قبل أيّام قليلة بيانات حول وضعها المالي المهتز، وعدم قدرتها على توفير السّيولة لمواجهة متطلّبات دائنيها.
وسواء تدخّلت الحكومة الصينية لتمنع إنهيار شركتها الضّخمة، أو تركتها فريسة للسّوق التي لن ترحمها، فإنّ عدوى الإنهيار والإنكشاف المالي بدأت بالفعل في الطفو بالأسواق الأوروبية والأميركية، بل وحتى أسواق الشرق الأوسط، والتي بدأت الأصوات تتعالى داخل بعض دولها، مثل مصر، مطالبة بوقف التّركيز على القطاع العقاري في ظلّ كارثة الإنهيار المالي العالمي في 2008، والمرشّحة بقوة للتّكرار.
وانفجرت الأزمة المالية العالمية في 2008، نتيجةً لمشاكل الرّهن العقاري في السوق الأميركية الضّخمة، والتي أعقبت التوسّع المضطّرد في الإقراض والبناء وبيع وحدات عقارية لمشترين بقروض مصرفية، وانتهت إلى إفلاس العديد من أكبر الشركات والبنوك الأميركية، وزادت حدّة الأزمة مع الطوفان الذي أعقبها وضرب البنوك والشركات عبر أنحاء العالم.
رئاسة الوزراء السعودية أعلنت، وبالتوازي مع أزمة إيفر جراند، إنها تتطلّع لتدشين أحدث مشروعاتها على البحر الأحمر باسم "أمالا"، كأحدث المشروعات السياحيّة ضمن ما وصفته بأنّه تنويع اقتصاد المملكة، والإستثمار في قطاعات جديدة، ستوفّر فرص عمل هائلة، بجانب كونها صديقة للبيئة.
الشّركة المملوكة بالكامل لصندوق الإستثمارات العامّة السّعودي، بالإضافة لشركة "مشروع البحر الأحمر"، وكلا الشركتين برئاسة جون باجانو، جمعت 14 مليار ريال لبَدء المرحلة الأولى من المشروع الطموح، بجانب التّخطيط للحصول على 10 مليارات ريال أخرى لاستكمال عمليات البناء والتّجهيز، والمشروع كله عبارة عن إنشاء مدن فندقية، على مساحة هائلة من الأراضي الساحلية.
الغريب أنّ سواحل البحر الأحمر بالأساس مزدحمة بالمشروعات السياحية، سواء في الأردن أو مصر، التي تعدّ جزيرة سيناء فيها قبلة عالمية للسياحة، وفي أفضل الأحوال ستقتنص المشروعات الجديدة حصّة من كعكة السياحة الشاطئيّة، وهي بطبعها سياحة رخيصة، أغلبها تأتي من شرق أوروبا وروسيا، وستبقى على الدّوام خاضعة للسياسة الخارجية الروسية، التي تمنع مواطنيها من التّوجه إلى سيناء منذ 6 سنوات.
الأغرب في البيان الحكومي، إنّ الحكومة تخطّط لجمع جزء من التّمويل عبر الإقتراض من أسواق العالم، أي قروض لبناء فنادق، في بلد يفضّل أثرياءَه –بل وحكّامه- قضاء إجازاتهم خارج المملكة، سواء في أوروبا أو المغرب.
والحقّ أنّ السّوق العقارية السعودية تشهد أصلًا مرحلة تشبع من جهة مباني الأثرياء، القصور والفيلات الفخمة، ذات المواصفات الملكية، مع توجّه كلّ الشّركات العاملة في المملكة لهذا النّوع من النّشاط، خلال العقد الماضي كلّه، والإرتفاع الجنوني بالتّالي في وحدات الأسر ذات الدّخل المتوسّط، والتي باتت فوق الطاقة، وخارجة عن القدرة، في ظلّ ظروف التقشّف الحالية.
والأزمة التي نشبت فعلًا يمكن معاينتها في حساب الوقت الذي يستغرقه بيع وحدة سكنيّة في السعودية، جديدة كانت أم قديمة، عملية تسييل العقار إلى أموال قد تستغرق عشرة أضعاف الوقت الذي كانت تستغرقه قبل 4 أعوام فقط، ولا نزال في بَداية أزمة بدأ الجميع يُعاينها، حتّى ولو لم يكن مقبلًا على قرار شراء مسكن جديد.
وفي الأخير يتبقّى رقم واحد، لمعرفة حجم التأثير الصيني على أسواق العقارات العالمية، كميّة الأسمنت التي استهلكتها الصين خلال سنوات ثلاث فقط (من 2011 إلى 2013) تُساوي أو تزيد عن الكميّة التي استهلكتها الولايات المتّحدة الأميركية في القرن العشرين بأكمله، والرّقم نُشر عبر الملياردير الأميركي بيل جيتس، في واشنطن بوست، والأرقام كلّها تعود للمؤرّخ الاقتصادي المرموق فاكلاف سميل، والذي استقاها بدوره من تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، بالإضافة للبيانات المعلَنة من الصّين.