(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
أفادت التّقارير بأنّ بريطانيا تتّخذ أولى خطواتها نحو بَدء مفاوضات تجارية مع دول مجلس التّعاون الخليجي، حيث ستدعو الشّركات البريطانية إلى إبداء رأيها بشأن ما ينبغي أن يشمله الإتّفاق المنشود.
وقالت التّقارير أنّ وزيرة التّجارة البريطانية آن-ماري تريفليان تستهدف التوصّل إلى اتّفاق مع دول المجلس- السعودية والإمارات وسلطنة عمان وقطر والكويت والبحرين- مع تطلّعها إلى بِناء علاقات جديدة حول العالم في أعقاب خروج بريطانيا من الإتّحاد الأوروبي.
وأطلقت تريفليان الجمعة 8 أكتوبر/تشرين مشاورات تمتدّ على مدى 14 أسبوعًا، حيث ستدعو الجمهور والشّركات إلى إبداء الآراء بشأن ما ينبغي أن يكون عليه الإتفاق. كما ستلتقي مع ممثّلين عن مجلس التّعاون الخليجي في لندن.
وقالت الوزيرة في بيانٍ لها "نريد اتّفاقًا حديثًا وشاملاً يزيل الحواجز التّجارية أمام سوق ضخمة للأغذية والمشروبات، وفي مجالات مثل التّجارة الرّقمية والطّاقة المتجدّدة بما من شأنه أن يوفّر وظائف جيدة في جميع ربوع المملكة المتّحدة".
ولم تنس التّقارير أن تلفت إلى أنّ الحكومة البريطانية تواجه انتقادات منذ فترة طويلة من نواب بالمعارضة ونشطاء، يقولون إنّ صادرات أسلحة إلى السعودية بمليارات الجنيهات الإسترلينية تُستخدم في انتهاك قوانين حقوق الإنسان باليمن.
وهنا لنا وقفة حول نقطة هامّة وردت بالتّقارير، وهي النقطة المتعلّقة بدعوة الحكومة البريطانية للجمهور والشّركات لإبداء الرأي بشأن الإتّفاق، ومدى احترام الرأي العام والتّحسب له، ولنا أن نسأل حول الرأي العام الخليجي وهل يشاوره أحد في هكذا اتّفاقات؟!
الأمر الآخر الذي نتوقّف عنده، هو التّقارير المؤسفة حول التّجارة الخارجية الخليجية وتراجع ميزانها بين الصادرات والواردات، وكذلك التّجارة البينيّة بين دول الخليج والأشقّاء العرب من جهة، وبين دول الخليج وبعضها البعض من جهة أخرى.
في تقرير للخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، منشور بمركز البيت الخليجي للدّراسات والنّشر، يرصد التّقرير أنّ التّجارة البينية للكيانات الإقليمية تمثّل أحد مظاهر نجاح هذه الكيانات.
وفيما تصل التّجارة البينية بين دول الإتحاد الأوروبي إلى 65% من إجمالي تجارة هذه الدول مع العالم، نجد النسبة عربيًا، تتراوح ما بين 8% و10% من إجمالي تجارة الدول العربية مع العالم.
ومنذ 1981، شرعت دول الخليج في اتّخاذ خطوات عملية في إطار وجود تكتّل إقليمي لها، حيث أنشأ اتّحاد مجلس التّعاون لدول الخليج العربية، وفي 2007 تمّ اعتماد اتّفاقية السوق الخليجية المشتركة، التي بموجبها يسمح بحرية انتقال الأفراد والإقامة، وحرية انتقال رؤوس الأموال، وتوحيد قواعد المعاملات الضريبية.
ومن خلال بيانات الأطلس الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي لعام 2020، نجد أنّ قيمة التّبادل التّجاري لدول الخليج مع العالم بلغت نحو 1.06 تريليون دولار في عام 2019، وأن قيمة الصادرات السلعيّة لدول الخليج بلغت في نفس العام 609 مليار دولار، بينما بلغت الواردات السلعية 451 مليار دولار.
أمّا فيما يتعلّق بالتّجارة البينيّة لدول الخليج، فقد أظهرت الأرقام أنّ الصادرات البينيّة السلعيّة بلغت 91.3 مليار دولار، وهو ما يمثّل نسبة 8.6% من قيمة التّبادل التّجاري لدول الخليج مع العالم الخارجي، وهي نسبة مماثلة أو قد تتطابق مع نسبة التّجارة البينيّة للدول العربية مع العالم الخارجي.
وعلى الرّغم من وجود اتّفاقيات لتنظيم التّجارة، بل والدّفع للوصول بالعلاقات التّجارية والاقتصادية لدول الخليج إلى مرحلة التّكامل، مثل وجود اتّفاقيات لمنطقة التّجارة الحرّة، ثمّ الإتحاد الجمركي، ثمّ السوق الخليجية المشتركة، إلّا أنّ سلطنة عمان وقّعت بمفردها اتّفاقية للتّجارة الحرّة مع أميركا في عام 2006 دون الرّجوع لمجلس التّعاون الخليجي، أو الإلتزام ببنود الإتّحاد الجمركي بأن تكون الإتفاقيات مع دول العالم في إطار خليجي جماعي.
كما تنطلق الدول الخليجية في علاقاتها التّجارية والاقتصادية مع دول العالم بشكلٍ منفرد، دون التقيّد باتّفاقيات التّجارة لاتّحاد مجلس التّعاون، وهو أمر يضعف من الجانب المؤسّسي لهذا الإتحاد ويعطّل بشكلٍ كبير مشروع التّكامل الاقتصادي لدول الخليج، على الرّغم من وجود مؤسّسات للعمل الخليجي المشترك، بشكلٍ كامل، ولكن يبقى عمل هذه المؤسّسات رهن الإرادة السياسية.
وترصد التّقارير أنّ الإرادة السياسية عطّلت خطوات مهمّة على صعيد التّكامل الاقتصادي الخليجي، مثل تحفّظ الإمارات في عام 2009 على أن يكون مقر البنك المركزي الخليجي في الرياض، مما أدّى إلى تعطيل كامل لهذه الخطوة، وتأخر إصدار العملة الخليجية الموحّدة.
وتقول التّقارير أنّه، وبالنّظر إلى أداء اقتصاديات دول الخليج، نجد أنّها تُعاني من أمرين سلبيين، الأوّل اعتماد هذه الاقتصاديات على النّفط، والثّاني أنّ منتجاتها السلعيّة التّصديرية متماثلة، وبالتالي فهي متنافسة، وليست متكاملة. مثال ذلك، صناعات البتروكيماويات وغيرها من الصناعات القائمة على النفط.
والملاحظ أيضًا أن لا وجود لخُطط خليجية للتّخصص الإنتاجي بين دول الخليج، بحيث تكون هناك خريطة إنتاجية تمنع تنافسية المنتجات الخليجية، فضلًا عن أنّ الاقتصاديات الخليجية لم تتخلص بعد من أكبر سلبياتها من كونها اقتصاديات ريعيّة، وليست انتاجية.
هنا نحن أمام تجارة خارجية مسيّسة تهدف للمصالح المنفردة ولا تمانع من منافسة الأشقاء وتحقيق المصالح السياسية على حساب التّعاون، وهو انعكاس اقتصادي للإهتراء بالوضع السياسي.