(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
هاجس القيادة والهيمنة قد تحكم في سلوك المملكة السعودية لفترات طويلة واستغلّت في سبيله كافّة القضايا المبدئيّة وتذرّعت بها رغم التّناقض الصّارخ بين خطوات المملكة العمليّة وما تُعلنه نظرياً وتحاول تصديره إعلامياً.
ففي أثناء فترة المدّ القومي العربي وبروز حركات التّحرّر الوطني، لعبت المملكة دورًا سلبياً بمحاربتها للأنظمة العربية التي حملت لواء المقاومة، وقامت بتشويهها وتكفيرها، وحاولت انتزاع القيادة عبر التّذرّع بالدّين وبأنّها حاملة لواءه، رغم المخالفات الصريحة لمنهجه والمتعلّقة بالعدل وعدم الإنحياز والتّحالف مع الطغاة والمستعمرين.
وبعد أن تخلّت مصر طوعاً عن دورها المقاوم، وعقدت معاهدة (السلام) مع العدو الصهيوني والتحقت بالمعسكر الأمريكي كزميلة للسعودية في هذا المعسكر، سارعت المملكة بالمزايدة والتّذرّع بالقضيّة الفلسطينيّة، كي تنتزع القيادة عربياً باسم الدّفاع عن فلسطين ورفض التّطبيع مع العدو!
ورغم أنّ لقاءات مندوبي المملكة مع الصهاينة تمّ كشفها، وتحوّلت إلى العلن، إلّا أنّها لا تزال توحي بأنّها ترفض التّطبيع وتحرص على حقوق الفلسطينيين رغم أنّ المبادرة العربية التي يرفعها العرب رسمياً وهي بالأصل سعودية، تحوي جميع التّنازلات الجوهرية عن القضية وثوابتها وتعترف بالعدو وبحقّه في الأراضي المغصوبة وفي شطر القدس!
ومع التّوازنات الدّولية والإقليميّة الجديدة، والتّراجع الأمريكي وتراجع الوزن النّسبي لحلفاء أمريكا التّاريخيين وعلى رأسهم السعودية، تبدو السعودية حريصة على إسترداد مكانتها لدى المعسكر الأمريكي عبر ذات الذّريعة، حيث تتلكأ في الإلتحاق بالتّطبيع والإنضمام إلى زميلتها الخليجيّة، الإمارات، والتي دشّنت التّطبيع الخليجي رسمياً عبر ما عرف باتّفاقية "أبراهام".
ويبدو أنّ المملكة ترفض أن تمثّل دور "البطل المساعد"، ويبدو أنّها تريد الدّخول لمسار التّطبيع من بوابة ضمانات أمريكية بالإحتفاظ بالقيادة والزّعامة وبضمانات تتعلّق بانتقال العرش لولي العهد القافز على أدبيّات وقواعد التّوريث التّقليدية بالمملكة.
وفي أحدث التّقارير، قال موقع "واللا" الصهيوني، أنّ إدارة الرّئيس الأمريكي جو بايدن بحثَت مع السعودية إمكانية تطبيع العلاقات مع (إسرائيل) والإنضمام إلى "اتّفاقات إبراهيم".
ونقل الموقع عن 3 مصادر أمريكية وعربية مطّلعة أنّ مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أثار القضية في اجتماع مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 27 سبتمبر / أيلول خلال زيارته للمملكة.
ولم يرفض بن سلمان صراحة إمكانية التّطبيع مع إسرائيل خلال حديثه مع سوليفان، إلّا أنّه أكّد أنّ مثل هذه الخطوة ستستغرق وقتاً، بحسب الموقع.
وأضاف الموقع أنّ السعوديين اشترطوا للتطبيع تنفيذ عدّة خطوات في أقرب وقت يتعلّق بعضها بتحسين العلاقات بين الولايات المتّحدة والسعودية. وامتنع البيت الأبيض عن التّعليق، للموقع الصهيوني.
وقد اعتبر موقع "واللا" أنّ انضمام السعودية إلى "اتّفاقات إبراهيم" سيكون خطوة مهمة للغاية قد تدفع المزيد من الدول العربية والإسلامية إلى اتّخاذ خطوة مماثلة.
وقال الموقع إنّه منذ وصول الرّئيس بايدن إلى سدّة الحكم في أمريكا، أبدى "برودة" في التّعامل مع السعودية، بما في ذلك على خلفية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، إضافة إلى أوضاع حقوق الإنسان في المملكة.
وهذا التقرير للموقع الصهيوني يؤكّد أنّ الرّفض السعودي هو مجرّد تلكؤ وأنّه ليس مبدئيًا، بدليل عداء السعودية لكلّ القوى التي تقاوم العدو، ويبدو أنّ السعودية تحاول مقايضة التّطبيع بمزيد من حصار واستهداف خصومها من المقاومين!
فقد وجّه وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، دعوة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، بشأن إيران وتطبيع العلاقات بين (إسرائيل) والسعودية.
وشدّد بومبيو في مقابلة مع صحيفة "تلغراف" البريطانية، "على ضرورة أن يتعامل الرئيس الأمريكي جو بايدن بحزم أكبر مع إيران إذا كان يأمل في إقناع السعودية بأن تُصبح الدولة العربية التالية التي تُقيم علاقات مع (إسرائيل)".
هنا نحن أمام تطوّر إقليمي خطير حيث لا تكتفي السعودية فقط بالمزايدة على المقاومين وتشويههم للإحتفاظ بالهيمنة وحماية العرش، بل تسعى للتّطبيع والشّراكة مع العدو أيضا في مقايضة استعداء أمريكا على المقاومة، وهو ما يقود لانزلاقات خطيرة.
ورغم أنّ السعودية تحاول تصدير صورة مسالمة وأنّها في حوار إقليمي مع خصومها، إلّا أنّ ممارساتها العملية تشي بأنّها تكسب فقط مزيدا من الوقت للَملَمة قواها وأنّها تراوغ وتخادع، وهو أمر خطير بالإضافة إلى أنّه مُعيب.