(مبارك الفقيه\ راصد الخليج)
منذ أن أعلنت رهف القنون لجوءَها إلى كندا هرباً من المملكة السعودية، لم تتوقّف وسائل الإعلام ومواقع التّواصل الاجتماعي عن متابعة أخبارها يوماً بيوم وساعة بساعة، هي "البطلة" التي تحدّت القيود الدينيّة والاجتماعية وقيود التخلّف السائدة في أرض الحرمين لتطلق صرخة في فضاء الحرية، وتنادي بحقوق الإنسان وبحريّة الرأي وحقّ إختيار نمط الحياة الذي يريده أي شخص بلا قمع أو تقييد.
رهف التي هربت من مملكة العنف وقمع الحريّات، تجد منذ العام 2019، حيث تعيش في تورونتو، ملاذاً آمناً بعيداً عن تعنيف أهلها الذين كانوا يريدون ذبحها بسبب علاقة محرّمة أقامتها مع أحد العمال، واستقبلها كبار المسؤولين الكنديين، وفتحوا لها الأبواب لتصبح مواطنة كندية بكامل الإمتيازات، وأمّنت لها الحكومة حماية وحصانة أسقطت كلّ مساعي الرّياض لمعاقبتها، لأنّها شوّهت صورة مملكة الحج ومضيفة الكعبة وأرض الحرمين الشريفين.
أصبحت رهف ملهمة الشباب ولا سيّما الفتيات اللّواتي ضِقن ذرعاً بالقمع الفكري في السعودية، وتحوّلت إلى أيقونة الحريّة والموقف الجريء، فأطلقت العنان لجسدها ومواقفها الجريئة وتطلّعاتها الطموحة ولآرائها التقدّميّة، وتأملت في أن تعتلي سدّة النّجومية في الأفلام الإباحية - "فعلى المرأة أن تكون دوماً عارية" كما قالت- لتؤكّد للعالم أنّ للمرأة كما للرّجل الحرية في اعتناق أي دين أو الإلحاد وشرب الخمر وتعاطي المخدّرات وحتّى الشذوذ، وها هي هند القحطاني على شاكلتها في العري والمواقف الجريئة، وتشجيعها للمثلية الجنسيّة، وهي مواقف لم تجرؤ على إعلانها، إلّا بعد أن هربت من السعودية لتستقر في الولايات المتحدة الأمريكية.. وعلى إثرها سارت الفتاة أثير ذات الـ 15 ربيعاً لتُعلن عن نفسها كمشروع واعد للحريّة من خلال نشر أفلام مصوّرة لها وهي تتعرّى وترقص غير عابئة بالقيود الدينيّة والأخلاقية.
طالما أنّ السعودية أصبحت موئلاً للفنّ وحفلات الرّقص والغناء تجد فيها المطربات السّعوديات مشاعل ووعد وعتاب وعهود واحة تعبير حرّ، وطالما أنّ وكالات ودور أزياء تنشط في اكتشاف وإبراز عارضات سعوديات بمواصفات عالمية، ومنهنّ تاليدا تمر وغالية أمين وشهد سلمان، فلماذا لا توسّع الرّياض شقّ باب الحرية أكثر لتشرّع شُرب الخمر وتعاطي المخدّرات والسّماح بالشّواذ جنسياً في أن يكون لهم حقوق كما غيرهم من بني البشر، وهكذا لا تعود السّعودية مملكة القمع والتخلّف.
مطلب الحريّة هذا يختلج في قلب كلّ مواطن عندنا، وينتظر أن يتحقّق في أسرع وقت ليتجوّل في أصقاع العالم بكلّ فخر أنّه من سعودية الحرّية بلا حواجز أو خوف، مثلما تجوّل الحاخام اليهودي في شوارع مكّة المكرّمة دون خوف من أن يتعرّض إليه أحد، أمّا أن يُطلق أحد ما رأياً يعتبر فيه أنّ الحرب السعودية في اليمن هي "حرب عبثيّة"، فهذا أمر لا يُغتفر، فكيف لو كان صاحب هذا الرأي المستنكر وزيراً في حكومة بلد مغلوب على أمره ولا سيادة فيه كلبنان؟! وكيف يجرؤ مسؤول لبناني رسمي على تكرار انتقاد المملكة في مواقفها وتصرّفاتها – على غرار الوزير شربل وهبة الذي وصف السعوديين بالبدو – ويتجاوز حدوده الدبلوماسية والأدبية في التّطاول على مملكة الخير التي تغدق على معظم المسؤولين والإعلاميين وغيرهم في لبنان من الأموال ما يكفي لردم شواطئ لبنان وتحويلها ملاعب كرة قدم؟!
أن تسمح السعودية لليهود وحاخامتهم أن يتجوّلوا في مكّة المكرّمة أو حتّى أن يطوفوا حول الكعبة فهذا أمر ممدوح من باب التّسامح الديني، أو أن تتحوّل إلى ملهىً كبير يستقبل مختلف صنوف العربدة والعهر فهذا من قبيل الفن والترفيه طالما أنّ إرسال القبل على الهواء ممنوع قانوناً، وأن يشذّ بعض السّعوديات في مواقفهن وهنّ هاربات من قمع الحريّات، فهذا موقف شخصي لا يضرّ بسيادة المملكة، أمّا التّصريحات التي تنتقد الموقف السعودي الصادرة من أي شخصية عربية – على غرار مواقف المرحوم جمال الخاشقجي - فهو أمر مذموم ومرفوض ويتسدعي الإستنفار السياسي العارم ويتطلّب اعتذاراً رسمياً صريحاً، وقد يصل الأمر إلى حدّ سحب السفراء وقطع العلاقات وفرض عقوبات وعواقب وخيمة لا تُحمد عقباها.
ادّعى وزير الإعلام اللّبناني جورج قرداحي أنّه لم يشتم السعودية والإمارات يوماً، ورفض الإعتذار باعتبار أنّه لم يخطئ، والأدهى من كلّ ذلك أنّه وصف الحرب على اليمن بأنّها "حرب عبثية ويجب أن تنتهي" معتبراً أنّ الحوثيين "يدافعون عن اليمن ضدّ عدوان خارجي".. إنّها بالفعل تصريحات تصيب قلب كلّ سعودي في الصميم، لا سيّما أنّنا نسعى منذ عامين للخروج من المستنقع اليمني، والتخلّص من حرب الإستنزاف هذه بأقلّ الخسائر العسكرية والسياسيّة الممكنة، نحن نعلم ما نريد ولا نحتاج إعلامياً كالقرداحي أن يملي علينا ما نفعله؛ ولكن ربّ ضارة نافعة، فإنّ خطأ هذا اللبناني الذي راكم "لحم كتافو" من أموال مؤسساتنا الإعلامية فتح لنا باباً للخروج من عزلتنا، لنعاود اللّعب في السّاحة الوحيدة المُتاحة لنا، لعلّنا نعود إلى مسرح الإعلام ولو من نافذة تصريح قديم.