(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
أثبتت الأحداث الأخيرة المتعلّقة بالأزمة التي افتعلتها السعودية مع لبنان، أنّ السياسة الخارجية السعودية تُعاني من أزمة على غرار سياساتها الداخلية.
فقد أعلنت السعودية استدعاء سفيرها لدى بيروت، وإمهال السفير اللّبناني في المملكة 48 ساعة لمغادرة البلاد، ولحقت بها في هذا القرار الكويت والإمارات والبحرين.
كما أعلنت المملكة، وقف دخول الواردات اللبنانية إلى أراضيها، وذلك على خلفيّة تصريحات لوزير الإعلام اللبناني جورح قرداحي رفض الإعتذار عنها بشأن الحرب في اليمن.
ومن المعروف أنّ الأزمة بدأت رسميًا بعد نشر مقابلة متلفزة جرى تسجيلها مع جورج قرداحي قبل تولّيه مهام منصبه وزيراً للإعلام في لبنان، اعتبر فيها أنّ جماعة "أنصار الله" اليمنيّة "تدافع عن نفسها في وجه اعتداء خارجي على اليمن منذ سنوات".
وما فاقم الأزمة لدى السعودية والدّول الخليجية التي انضمّت لها، هو رفض قرداحي الإعتذار، مؤكّدا أنّه كان ليعتذر عن تصريحاته لو أنّه أدلى بها خلال وجوده في منصبه الرّسمي.
وهنا لنا وقفة لنوضح لماذا نقول أنّ هناك أزمة في إدارة السياسة الخارجية للمملكة ودول الخليج التي انضمّت لها:
أوّلاً: لا تُدار السياسات الخارجية بمنطق الغلبة والإذعان، بل تدار بالحوارات والتّفاهمات وخاصّة مع الدول الشقيقة، ولا تتطلّب العلاقات الدبلوماسية تطابقاً في الرؤى بل تشهد تبايُنات وخلافات، وربّما تنافس، بل وربّما صراع يسمح باستمرار العلاقات ما لم تتطوّر الأمور لحروب واعتداءات، وما دامت العلاقات لا تشهد عداء على غرار العلاقات مع العدو الصهيوني.
ثانيا: لا تتوقّف العلاقات بين الدول على تصريحات السياسيين، وأقصى ما تقتضيه الأمور عند وجود تصريحات مرفوضة لدى الدول، هو استدعاء سفراء الدّول الصادرة منها التصريحات لطلب توضيحات، ثم اتّخاذ إجراءات تدريجية عبر الحوار والتّفاهم ويتمّ اتّخاذ القرارات الكبرى وفقاً لتطوّر الحوار ومجرياته.
ثالثاً: التّصريحات الصادرة من الوزير اللّبناني كانت سابقة لمنصبه وبالتّالي هي رأي شخصي لا يستوجب أيّة إجراءات دبلوماسية، إلّا إذا كانت السعودية تريد وزراء الدول موالين لها ولسياساتها وتابعين لها وليس لدولهم أو لقناعاتهم الشخصية!
وهناك مفارقتان يمكن رصدهما:
الأولى: أنّ وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان وهو في منصبه الرّسمي ويتحدّث بشكلٍ رسمي لا شخصي، قال إنّ التّعامل مع لبنان أصبح "لا جدوى له" في ظلّ ما سمّاها هيمنة "حزب الله" على البلاد.
وهنا هو تجاوز وتدخّل فجّ في الشؤون اللّبنانية وانتهاك دبلوماسي صريح للسيادة، لأنّه لا يحقّ له التّعليق على النّظام السياسي ولا القوى السياسية وأوزانها وتشكيلها في الحكومة، وهو حديث لا يعبّر عن الكياسة أو الدبلوماسية ويستوجب غضباً لبنانياً أكبر بأضعاف مضاعفة من الغضب السعودي على تصريح شخصي لا يعدّ تدخٍلاً بل يعدّ وصفاً مخفّفاً للعدوان السعودي الصريح على اليمن.
الثانية: هي أنّ رؤساء لدول كبرى مثل أمريكا، قد وجّهوا إهانات للملك السعودي وليس فقط للسياسات السعودية، وتصدر بشكلٍ شبه يومي انتقادات من مسؤولين أمريكيين وأوربيين للمملكة وسياساتها، ولا تحرّك المملكة ساكناً ولا تحرّك دول الخليج التي انبرت لمعاقبة لبنان هي الأخرى أي ساكن!
هنا نحن أمام شبه اعتراف سعودي وخليجي بأنّ السياسة مع الأشقّاء العرب عنوانها الرّشاوى لشراء التّبعية وشراء الذّمم واتّباع أخلاقيّات النّفاق وشراء المواقف السياسيّة بل والأراء الشخصيّة، وهي سياسة غير قابلة للتّطبيق والبقاء، بل ستجعل من الشعوب العربية خصوماً للمملكة، ولن تجد المملكة لها أصدقاء إلّا من المرتزقة، وقد تراجعت أسهمهم وأوزانهم في بلدانهم بعد التّطورات السياسية التي أثبتت بها الحركات السياسية التي تتحلّى بالكرامة والإستقلال الوطني الكفاءة والصّمود في مواجهة هكذا سياسات مذلّة ومهينة.