(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
تعدّدت مداخل التّطبيع مع العدو الصهيوني، ولكنّها اكتسبت في الفترة الأخيرة أبعاداً جديدة ومبرّرات غير المبرّرات التّقليدية التي تذرّع بها المطبّعون في السّابق.
فقد تميّز التّطبيع مؤخراً بأنّه صار أسرع وتيرة وفجاجة ولم يعد على استحياء، ولم يعد يستخدم الذرائع التقليدية والتي مفادها مصلحة القضية والشعب الفلسطيني والتي تتميّز بالكذب والاستخفاف بالعقول.
واتّجه التّطبيع حديثاً لتحقيق مصالح ذاتيّة للدول التي تفرط في ثوابت وشرف العروبة لتلتحق بقطاره، دون مواربة أو تذرع، بل صارت المصلحة الخاصّة لافتة مرفوعة على طريق التطبيع !
ومؤخراً وفي أحدث المستجدّات، أفادت وسائل إعلام صهيونية بأنّ "إسرائيل" وقطر أبرمتا اتٍفاقية سريّة "جعلتهما أقرب إلى إقامة علاقات ثنائيّة رسمياً".
وذكرت صحيفة Globes الاقتصادية الإسرائيلية في تقرير نشرته،أنّ هذه الاتّفاقية السريّة متعلّقة بتجارة الألماس، حيث تسعى قطر إلى إنشاء منطقة تجارة حرّة ستركز على تجارة الألماس والمجوهرات والذّهب، ثمّ إنشاء بورصة الماس، على غرار "بورصة دبي للماس"، وأنّ قطر، من أجل دخول قائمة الدول المسموح لها بالإتجار بالماس، تحتاج إلى موافقة الدول الأعضاء في لجنة "عملية كيمبرلي"، ومنها "إسرائيل".
وقالت الصحيفة أنّ قطر بهدف تفادي معارضة محتملة من قبل "إسرائيل:، أبرمت معها اتّفاقية سريّة سمحت بموجبها للتجار الإسرائيليين بدخول أراضيها وفتح مكاتب شركاتهم في منطقة التجارة الحرة المستقبلية.
ونقلت الصحيفة عن مصدر شارك في الاتصالات بين الدولتين بشأن هذا الملف قوله إنّه لن تكون هناك أي مشاكل من جانب قطر مستقبلاً في إبرام اتّفاقات اقتصادية أو تجارية جديدة مع "إسرائيل"، ما لم يتناقض ذلك مع مصالح الدوحة.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ إبرام هذه الاتّفاقية بات ممكناً بعد احتواء الأزمة الخليجية وتراجع الإمارات عن معارضتها لانضمام قطر إلى قائمة الدول التي تتاجر بالماس.
وكانت الجلسة العامّة لنظام عملية كيمبرلي لإصدار شهادات الماس الخام، قد صوّتت بالإجماع، على قبول طلب دولة قطر الانضمام إلى عضوية النّظام، وذلك خلال أعمال الجلسة العامة التي عقدت في العاصمة الروسية موسكو في الفترة ما بين 8-12 نوفمبر الجاري.
وجاءت الموافقة على انضمام دولة قطر، عقب توصية من لجنة المشاركة والرّئاسة التّابعة لعملية "كيمبرلي".
وعملية كيمبرلي، هي مبادرة مشتركة ترعاها الأمم المتّحدة بين الحكومات والعاملين في قطاع الماس والمجتمع المدني، تفرض متطلّبات شاملة على أعضائها لتمكينهم من التصديق على شحنات الماس الخام على أنّها "خالية من الصّراعات"، ومنع تدفّق "ماس الصراعات" إلى هذه التجارة.
وأُنشئ نظام عملية كيمبرلي في العام 2003 لإصدار شهادات منشأ الماس بهدف القضاء على تجارة الألماس المموّل للصّراعات ومنعه من دخول سوق الألماس الخام وهي المجموعة الوحيدة في العالم ذات التّمثيل الثلاثي الذي يضمّ الحكومة وقطاع الألماس والمجتمع المدني.
وهناك المجلس العالمي للماس، وله تمثيل في جميع مجموعات عمل عملية كيمبرلي وله تأثير في تحديد تنفيذها والإصلاحات المستقبلية.
وقد تمّ إنشاء المجلس في يوليو 2000 في أنتويرب ببلجيكا بعد اجتماع مشترك للاتّحاد العالمي لبورصات الماس، الذي يمثّل جميع مراكز تجارة الماس الهامّة في العالم، والاتّحاد الدولي لمصنّعي الماس، الذي يمثّل كبار المصنّعين. الرئيس المؤسّس هو إيلي إزاكوف، الذي شغل المنصب حتى يوليو 2013، ومقرّه في الولايات المتّحدة.
وتعدّ دبي أحد أكبر ثلاثة مراكز لتجارة الذّهب والألماس والأحجار الكريمة في العالم، كما تأتي الإمارات في المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط والمرتبة الثالثة على مستوى العالم بعد الصين والهند من حيث استهلاك المجوهرات.
و دبي هي موطن أعلى برج للألماس في العالم والذي يعدّ مقراً لما يزيد على 450 شركة إقليمية ودولية للألماس والأحجار الكريمة، وفضلاً عن ذلك فإنّ بورصة دبي للألماس هي المنصّة الوحيدة في المنطقة لتداول الألماس والأحجار الملوّنة.
إلّا أنّ هناك شبهات متعدّدة حول تجارة الماس ويتصدّر هذه الشبهات العدو الإسرائيلي، حيث تُفيد المعلومات بأنّ عملية كيمبرلي تكتفي بتعقّب تحرّكات الألماس غير المصقول وأصوله، بينما تستطيع الدول المتخصّصة في مجال الألماس المصقول أن تنتج ماسات قيمتها مليارات الدولارات كل سنة.
وقد أصبحت "إسرائيل" أكبر مُصدِّر للألماس في العالم، مع إيرادات من هذا الحجر الكريم وصلت إلى 9.4 مليارات دولار، ويعزى ذلك جزئياً إلى هذه الثّغرة الفاضحة في عملية كيمبرلي عام 2008.
وبما أنّ عملية صقل الألماس تزيل كلّ العلامات المميّزة التي يمكن تعقّبها، من شبه المستحيل تعقّب الألماس المصقول الذي اشتُري من "إسرائيل"، إذ إنّ من غير الممكن تفريقه عن الألماسيات التي تُرسَل من جنوب أفريقيا أو أستراليا أو أميركا الشمالية، وتنتهي في مراكز تجارية كبرى كنيويورك أو هونغ كونغ، حيث يشتريها بالجملة بائعو الألماس حول العالم.
ومن ضمن الحوادث في هذا السياق، كانت منظّمة "غلوبال ويتنس" قد اعترضت على موافقة أفراد عملية كيمبرلي على تصدير الألماس الذي استُخرِج من حقول "مارانغ" في زيمبابوي، التي كانت لوقت طويل مشبوهة في انتهاكات حقوق الإنسان. واتّهم الناشط في المنظمة، مايك دايفيس، أعضاء عملية كيمبرلي بغضّ الطرف عن انتهاكات مشابهة للحقوق في كافّة الدول المنتجة للألماس.
وقال في تصريحات لصحيفة "الأخبار" بأنّ "عملية كيمبرلي هي نادٍ للحكومات التي لا تريد أن تحاسب إحداها الأخرى".
كما صرّح الخبير الاقتصادي الإسرائيلي شير هيفير، كدليل لمحكمة "راسل" حول فلسطين عام 2010، بأنّ قوات الجيش الإسرائيلي، من بين منظّمات أخرى، هي التي استفادت إلى أقصى حدّ من تجارة "إسرائيل" المربحة بالألماس. وكشف هيفير للمحكمة عن أنّه: "عموماً، يقدّم قطاع الألماس الإسرائيلي مليار دولار سنوياً تقريباً للصناعات العسكرية والأمنيّة الإسرائيلية". وتابع: "كلّما اشترى شخص ما ألماسة صُدِّرت من (إسرائيل)، ينتهي جزء من هذا المال لدى الجيش الإسرائيلي، وبالتالي فإنّ الرابط المالي بين الاثنين جليّ".
وفيما تُنظَّم حملات لتصنيف الألماس الإسرائيلي كأحجار كريمة مكتسبة في الحروب، تُواجه اللامبالاة الظاهرية، أو بالأحرى التّواطؤ، الذي تُبديه منظّمات على غرار مجلس الألماس العالمي، معارضة شديدة.
هنا نحن أمام تواطؤ دولي وإماراتي مع العدو، ومع دخول قطري للتّطبيع من بوابة الماس، ويوماً بعد يوم يزداد الجرم في حقّ قضية الأمّة المركزية.