(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
من المعلوم أنّ البرنامج النّووي الإيراني جاءت بَداياته من خلال التّعاون الوثيق بين نظام الشّاه والولايات المتّحدة الأمريكيّة، وذلك منذ منتصف خمسينيّات القرن العشرين، حيث وضعت وقتذاك أسس علاقات إستراتيجيّة وثيقة مع نظام الشاه محمد رضا بهلوي، بعد أن كانت الاستخبارات المركزية الأمريكية قد قضت على ثورة رئيس الوزراء، محمد مصدق، في أغسطس 1953؛ وهو ما دفع الشاه، بعد ذلك، إلى الاعتماد بقوّة على الولايات المتحدة الأمريكية لدعم حكمه.
وجاء التّعاون النّووي بين إيران والولايات المتّحدة الأمريكية من خلال برنامج الذرّة من أجل السلام. وهو برنامج كان الرئيس الأمريكي، دوايت أيزنهاور، قد أعلنه في 8 ديسمبر 1953، وعلى أساس هذا البرنامج، وقّعت إيران، في عام 1957، مع الولايات المتّحدة الأمريكية اتّفاقية للتعاون النّووي في المجالات المدنية، مدّتها عشر سنوات.
وحصلت إيران بموجب هذه الاتّفاقية على مساعدات نووية فنيّة من الولايات المتّحدة الأمريكية، وعلى عدّة كيلوجرامات من اليورانيوم المخصّب للأغراض البحثيّة.
وقد التزمت الولايات المتّحدة الأمريكية بإمداد إيران بالوقود النّووي، اللازم لتشغيل المفاعل النّووي البحثي في مركز البحوث النّووية في جامعة طهران، وقامت في سبتمبر 1967 بتزويد إيران ب 5.5 كجم من اليورانيوم المخصّب، لتكون وقوداً لتشغيل هذا المفاعل. ثمّ قامت بعد ذلك بتزويدها بشحنة أكبر حجماً، تقدّر بنحو 104 كجم من اليورانيوم، ليكون مصدراً للوقود في المفاعل المذكور.
كما كانت الولايات المتّحدة الأمريكية من أولى الدّول الغربية التي أعربت عن استعدادها للتّعاون مع إيران في المجالات النّووية، وأبلغت وزارة الخارجية الأمريكية سفيرها لدى طهران، في الأوّل من أبريل 1974، بأن يقوم بإبلاغ الحكومة الإيرانية استعداد الولايات المتّحدة الأمريكية لاستكشاف إمكانات التّعاون النّووي بين الجانبَين؛ وأنّ رئيس لجنة الطّاقة الذريّة الأمريكيّة مستعد للذّهاب إلى طهران ضمن وفد من الخبراء، لاستكشاف أفضل الوسائل للتّعاون مع إيران في مجال الطاقة الذريّة.
وقد أبرم الجانبان اتّفاقاً مبدئياً في يونيه 1974. التزمت الولايات المتّحدة الأمريكية بموجبه تزويد إيران بمفاعلَين نوويَّين للطّاقة ووقود من اليورانيوم المخصّب. ثمّ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 20 أكتوبر 1974، أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية وإيران تستعدّان للتّفاوض في شأن اتّفاق يسمح ببيع مفاعلات نوويّة ووقود مخصّب، على المستويات التي يرغب فيها شاه إيران.
وخلال لقاء قمّة بين الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر؛ وشاه إيران، في يناير 1978، جرى الاتّفاق على تسوية المسائل الأساسية التي كانت تعوق الوصول إلى اتّفاق ثنائي للتعاون النووي بين الجانبَين. فقد وافقت إيران على قبول تقديم المزيد من الضّمانات بصورة تتجاوز المتطلّبات التي تفرضها الوكالة الدّولية للطّاقة الذريّة. في حين وافقت الولايات المتحدة الأمريكية من جانبها على منح إيران وضع "الدولة الأكثر تميّزاً" في ما يتعلّق بمسائل إعادة معالجة الوقود النووي؛ وهو ما كان يتيح لإيران الحصول على ترخيص إعادة معالجة الوقود ذي المصدر الأمريكي.
وسط كلّ ذلك لم يعترض الخليج على البرنامج النّووي أو يستشعر خطورته على أمن الخليج، رغم أنّ تحالف نظام الشاه مع أمريكا والعدو الصهيوني كان يشكّل خطراً فعلياً على أمن الخليج والأمن القومي العربي.
بينما البرنامج النّووي لنظام الثورة الإسلامية الذي أعلن العداء لأمريكا ووصفها بالشيطان الأكبر والذي لم يعترف بالدولة المزعومة للعدو الإسرائيلي، يشكّل توازناً للرّدع رغم التأكيد الدائم على عدم السعي لتطوير سلاح نووي.
وبالتالي فإنّ الخليج لا ينبغي أن يستشعر الخطر من برنامج إيران النّووي لنظام الثورة الإسلامية، لأنّه وكما يتمّ التّأكيد دوما برنامجاً سلمياً، وبافتراض أنّه تطوّر باتّجاه صناعة سلاح نووي، فإنّه ليس موجّها للخليج بل للعدو ولتوازن الرّدع معه.
لماذا يشارك الخليج إذن العدو الإسرائيلي قلقه، فالقاعدة المنطقيّة تقول أنّ ما يُقلق العدو يجب أن يُطمئننا.
لا تفسير هنا إلّا أنّ الخليج لا يعتبر (إسرائيل) عدواً، بل أنّه يعتبر هذا الكيان حليفاً، ويشاركه في مظلّة أمنيّة واحدة، وبالتالي تتطابق مخاوفه مع مخاوف العدو، وهو عار على العروبة والخليج يصعب محوه، كما أنّه يهدّد الأمن القومي الخليجي تهديداً جدياً بسبب ربطه بأمن كيان استعماري زائل لا محالة.