(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
لا تستطيع التّصريحات الصّحفية أو الجولات المكّوكية ولا البيانات الإنشائيّة، التّعمية على حقيقة الأمور، والتي تكشفها دوماً الممارسات العملية والسياسات المتّبعة والإجراءات التي يتمّ اتّخاذها.
ومنذ فترة، وهناك قناعة لدى الباحثين والمحلّلين والرّاصدين، أنّ هناك تباعداً بين الإمارات والسعودية، وقد فُسّر على مَحمل الخلاف، وفسّره آخرون على محمل القطيعة المنتظرة، بينما تكشف الأحداث والسّياسات، أنّ الأدقّ هو التّنافس، وربّما الأكثر دقّة، هو التّنافس الحاد الذي يوشك أن يدخل نطاق الصّراع.
ولعلّ آخر الأحداث تكون كاشفة لطبيعة هذا التّنافس، فقد نقلت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، أنّ قنوات الأخبار السعودية، بالإضافة إلى مجموعة ”إم بي سي“ بدأت بنقل عمليّاتها من مدينة دبي، إلى العاصمة السعودية الرياض، وأكّدت الوكالة بحسب مصادرها، أنّ الهدف هو إنتاج 12 ساعة من البرامج الإخبارية من قلب العاصمة الرّياض، بحلول يناير/كانون الثاني، من العام القادم 2022، وسيتمّ نقل بقيّة الموظّفين بشكلٍ تدريجي إلى الرّياض مع اكتمال المرافق، وسط تطمينات من الإدارة للموظّفين بأنّه لن يكون هناك أي تسريح لهم.
ونقلت الوكالة عن "سام بارنيت"، الرئيس التّنفيذي لمجموعة MBC، أكبر شبكة إعلامية في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، إنّ خُطط الشّركة السعودية لإنشاء مقرّ جديد في الرياض، التي تمّ الإعلان عنها العام الماضي ”تسير على الطريق الصحيح“. وقال إنّ MBC تخطّط للحفاظ على ”وجود إقليمي قوي“.
إلّا أنّ جوهر الأمر هنا يتعلّق بأمر آخر، حيث تأتي هذه الخطوة ضمن خطّة استراتيجيّة اقترحها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وخصّص لها ميزانية بلغت 800 مليار دولار بهدف مضاعفة الاقتصاد السعودي وجعله مركزاً عالمياً، وهو ما نقلت التّقارير بشأنه أنّ قرار النّقل يُثير مخاوف على التّبعات الاقتصادية لمدينة دبي الإعلامية.
ففي العام الماضي، سلّط تقرير لوكالة "بلومبرغ" على صعود السعودية كوجهة للشّركات النّاشئة في الشّرق الأوسط، لدرجة أنّها باتت تشكّل منافساً لدبي، التي طالما كانت قبلة الشركات في المنطقة.
وضربت الوكالة في تقريرها أمثلة عن شركات نقلت أعمالها من دبي إلى السعودية، وأخرى قرّرت إطلاق أعمالها في هذا البلد، طمعاً في الحصول على نصيب من المشاريع الضّخمة، التي أطلقتها الرياض، ومنها مشروع "نيوم"، الذي تقدّر قيمته بنصف تريليون دولار.
وأشارت الوكالة إلى رجل أعمال ألماني قرّر نقل شركته، التي أسّسها قبل 5 سنوات مع صديق سعودي، من دبي إلى السعودية، ونقلت "بلومبرغ" قوله: "إذا كنت تريد أن تكون كبيراً في الشرق الأوسط، فعليك أن تكون في المملكة".
كذلك تطرّقت الوكالة لشركة نرويجية تخطّط لتشييد مزرعة أسماك بقيمة 60 مليون دولار في السعودية بدلاً من دولة الإمارات العربية.
ووفقاً للوكالة فإنّ تزايد عدد الشّركات النّاشئة في الرياض يظهر منافسة غير معلنة بين دبي والسعودية، ما قد يُعيد تنظيم اقتصادات في منطقة الخليج تسعى جاهدة لتقليص اعتمادها على النّفط.
وفي سبيل ذلك، اتّخذت الحكومة السعودية جملة من القرارات التي تستهدف إلزام الشّركات بفتح مقرّاتها الإقليمية في المملكة، ما اعتبر إرباكاً لم تظهر حدّته بعد لحليفتها الإمارات.
وفي فبراير/شباط 2021، قرّرت الرّياض عدم منح عقود حكومية لأيّة شركة أجنبية يقع مقرّها الإقليمي في دولة أخرى غير المملكة، اعتباراً من 2024.
وتبع ذلك في يوليو/تموز 2021، تعديل قواعد الاستيراد من المناطق الحرّة في دول الخليج، بحظر دخول أيّة منتجات إلى المملكة تقلّ نسبة مدّخلات الإنتاج الخليجية فيها عن نسبة معيّنة.
والإجراء السعودي يحمل تأثيرات سلبية تحديداً على الإمارات، التي تشكّل المناطق الحرة العمود الفقري لاقتصادها، وخصوصاً منطقة جبل علي.
كما كشفت بيانات رسميّة، أنّ قيمة الواردات السعودية من الإمارات تراجعت بنسبة 33% على أساس شهري في يوليو/ تموز الماضي، بعدما فرضت المملكة قواعد جديدة في الشهر نفسه على الواردات من بقيّة بلدان الخليج.
ووفقاً للبيانات الصادرة عن الهيئة العامّة للإحصاء السعودية انخفضت الواردات من الإمارات إلى 3.1 مليارات ريال (827 مليون دولار) في يوليو/ تموز من 4.6 مليارات ريال في يونيو/ حزيران. وعلى أساس سنوي انخفضت الواردات من الإمارات بنحو 6%.
وغيّرت السعودية في يوليو/ تموز قواعد الاستيراد من بقية بلدان دول مجلس التّعاون الخليجي لاستبعاد سلع منتجة في مناطق حرّة أو تستخدم مكوّنات إسرائيليّة من الامتيازات الجمركية التفضيليّة، في خطوة اعتُبرت تحدّياً لمكانة الإمارات كمركز إقليمي للتجارة والأعمال.
وعلّقت التّقارير وقتها بالقول أنّه، وعلى الرّغم من أنّ البلدين حليفان مقرّبان، فإنّهما يتنافسان على جذب المستثمرين والأعمال.
وتستبعد القواعد التّجارية السعودية الجديدة من الاتّفاق الجمركي لمجلس التّعاون الخليجي سلع الشركات التي تقل نسبة العاملين المحليين بها عن 25% من قوّة العمل، الأمر الذي يعدّ مشكلة لبلد مثل الإمارات حيث معظم السكان من الأجانب.
كما تنصّ القواعد الجديدة أيضاً على أنّ كافّة السّلع المنتجة في المناطق الحرة بالمنطقة لن تعتبر محليّة الصّنع، وهو ما يمثّل ضربة للإمارات التي تعدّ المناطق الحرة من المحرّكات الرئيسية لاقتصادها.
ووفقاً لبيانات هيئة الإحصاء، فإنّ الانخفاض الشهري في قيمة الواردات من الإمارات، هو أكبر تراجع هذا العام.
وتراجعت الإمارات لتصبح ثالث أكبر مورد للمملكة في يوليو/ تموز بعد الصين والولايات المتّحدة، بعد أن كانت في المركز الثاني في يونيو/ حزيران.
وهنا نسأل هل ستصمت الإمارات أم أنّها ستردّ للحفاظ على مكانتها، وإذا ما قامت باتّباع خيار الرّد، فإلى أين ستصل المنافسة بينها وبين السعودية، وهل تتّخذ سِمة الصّراع؟