(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
شهد العام الحالي والذي يُشارف على الانتهاء تحوّلات خليجيّة ضخمة، أو بالأحرى الإعلان عن تحوّلات كانت إرهاصاتها واضحة في الأعوام الأخيرة، وهو ما يشي بأنّ العام الجديد 2022 سيكون عاماً صعباً ومليئاً بالتّساؤلات الحائرة والمتوجّسة حول الأمن الخليجي.
فقد شهد العام 2021 تكريساً للتّحوّل التّاريخي من الاحتماء بمظلّة اتّفاقية كوينسي عبر الحماية الأمريكيّة مُقابل النّفط، إلى مظلّات متعدّدة وضعت تناقضاً بين الأمن الخليجي والأمن القومي العربي، بإدخال العدو الإسرائيلي كحليف.
كما اعتمدت بعض السياسات البهلوانيّة من قبيل محاولة مَسك العصا من المُنتصف بين أمريكا من جهة، وروسيا والصين من جهةٍ أُخرى وهي سياسة خطِرة غير مضمونة السّلامة في مآلاتها عند الوصول بالصّراع الدّولي إلى حافّة الهاوية.
وشهد العام أيضاً إسدال السّتار على حقبة الرّبيع العربي والتي شكّلت صراعاً خليجياً- خليجياً، لتبدأ معها مرحلة جديدة تُعلن الوفاق والمصالحة شكلاً، بينما تُضمر الصراع مضموناً.
وهذا الصراع الداخلي مَفاده انتفاضة سعودية لاستعادة قيادتها المفقودة للخليج، وفي طريقها لذلك لا تُبالي بتدمير مُنافسيها وهو ما نَشهده من إجراءات مُناهضة للسّيطرة الاقتصادية والاستثماراتيّة الإماراتيّة، خاصّة وأنّ للسعودية أزمتها الخاصّة في اليمن والتي باتت تشكّل حرجاً بالغاً لنظام آل سعود كلّه وليس فقط لولي العهد أو المسؤولين الحاليين عن قيادة المملكة.
والملف الأخطر هنا هو انعكاسات الصّراع الدّولي والإقليمي على الخليج، حيث وصلت العلاقة بين أمريكا والصين وروسيا إلى حرب باردة بالمعنى الحرفي للمفهوم، وهناك جبهات ساخنة يجد الخليج نفسه بها مطالباً بانحياز صريح، ولعلّ هذه الجبهات في الحالة الخليجيّة مركٍزة على الاقتصاد والتّجارة العالميّة وأسعار النّفط، وكلّ ملف بها يصبح يُشكل حساسيّة بعد مؤشّرات التّراجع الاقتصادي الخليجي.
كما أنّ الصّراع الإقليمي بين معسكر أمريكا والعدو الإسرائيلي وإيران، يشكّل جبهة عسكريّة ساخنة، فأي شرارة للحرب لن تنتظر انزلاقات، بل سيكون الخليج جبهة مباشرة سواء للتّورط في العدوان أو في الرّد الإيراني.
ويحمل العام الجديد أيضاً ميراثاً سيّئاً في العلاقات الخليجية مع عدد من البلدان العربية الهامّة/ مثل سوريا ولبنان واليمن، وعلاقات ضبابيّة مع العراق، وهو ما يفقد المظلّة العربية أي فاعليّة أو قدرة على التأثير لا في الأمن القومي العربي ولا الخليجي.
وعندما نُضيف وباء كورونا وتداعياته والتي تُشير التقارير لاستمراريته، بل وصعوبة محاصرته بسبب تحوّراته، فإنّ الأمور تزداد ضبابيّة، والأمن الخليجي يزداد خللاً.
كانت هناك ولا تزال فرص لتدارك الوضع عبر وقفة تأمليّة صادقة وتنحية للضّغينة والكبر والعناد، وإعادة ترتيب أوراق الأمن الخليجي عبر الحوار مع الجوار ووقف العدوان ووقف التّحالف الشيطاني مع العدو، وإعادة الاعتبار للمظلّة العربيّة والإسلاميّة وجعلها قوّة دوليّة تتفاوض على مركزها في النّظام العالمي الجديد.
ولكن هل ستحدث هذه الوقفة؟ أم ستستمر السياسات لمنتهاها؟ وهذا المنتهى لن يطول كثيراً وهو متّجه بقوة نحو أوضاع ومصائر كارثيّة.