(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
رغم كلّ الانتقادات السابقة التي وجّهت للإعلام الخليجي، إلّا أنّ الوضع الرّاهن لهذا الإعلام وصل لمستويات غير مسبوقة من الانهيار وقد تهاوى لمرحلة لا علاقة لها بالانتقادات السابقة والتي كانت تشير معظمها لضعف الكوادر والبُعد عن روح العصر في الإعلام، أو عدم مخاطبة الآخر والدّفاع عن قضايا الأمّة وغيرها ممّا حفلت بها ورشات العمل النقديّة.
ومنذ العام 2011 والدّخول في مرحلة "الربيع العربي" وانقسام الانحيازات الخليجيّة تجاه المعسكرات المتصارعة، برزت الفجاجة الدّعائيّة على الإعلام وابتعد عن رسالته الأصلية ليدخل نطاق الدّعاية والتّشاتم والتطاول.
ومع دخول التّطبيع الخليجي، بدأ الإعلام في مرحلة انقلابية على ثوابت الأمّة وحرف قضيتها، والتّرويج للعدو والتطبيع معه، وشن حملة دعايات مكثّفة ضدّ المقاومين للمشروع الصهيوني وضدّ قضايا المقاومة، وتصدير صورة مُغايرة لوجدان الأمّة بما فيها شعوب الخليج ذاته!
وفي مجال جديد نسبياً على الخليج، وهو الإعلام الحربي، بدت الصورة أكثر قتامة، حيث تميّز الإعلام الحربي للتّحالف المعتدي على اليمن بالكذب الصّريح وإنكار الخسائر وفبركة الحقائق بشكلٍ مكشوف ومفضوح يتناقض كلياً مع المسارات الواقعية للحرب وهو ما يفقد الثّقة بكلّ بيان أو تصريح حربي.
ولعلّ الأزمة الخليجيّة والتي امتلأت بها فضائيات ووسائل إعلام الخصوم الخليجيين شاهدة على مدى اهتراء الإعلام ووصوله لمديات منحطّة من الموضوعية، ولا سيّما بمقارنتها مع الصورة الإعلامية التي أعقبت المصالحة وانقلبت بها الدّعايات بشكلٍ مفاجئ وكأنّ الفضائيّات ووسائل الإعلام تبدّلت ولم تكن هي ذات الوسائل التي تبثّ قبيل المصالحة!
هنا يدور تساؤل حول رؤية المسؤولين عن الإعلام للشعوب، وهل يرونهم قطيعاً وهل يستخفّون بعقولهم لهذه الدرجة، أم أنّ الإعلام بالأساس موجّه للخارج وليس موجّها للشعوب، وهل هو تعبير عن وجهة نظر السّاسة ودوره هو إيصال رسائل سياسيّة واستخباراتيّة للخصوم، أم أنّ له ولو حدّ أدنى من الرسالة للشعوب؟!
ولعلّ أحدث محطّتين في الإعلام السعودي والإماراتي، تعكسان مدى الوهن الذي لحق بهذا الإعلام، وهما:
أوّلاً: محطة الادعاء بتورط حزب الله اللّبناني في الحرب باليمن، وهذه الفبركة الضعيفة التي لم تجهد نفسها في الإجادة بالفبركة واستخدام شخص غير لبناني والادعاء بأنّه من كوادر الحزب في شكلٍ لم ينطلي على أحد وقوبل الأمر باستخفاف شديد.
ثانياً: محطّة الادعاء بأنّ سفينة الشّحن العسكرية التي صادرها "أنصار الله" باليمن بأنّها سفينة تحمل مواد طبية للمستشفى الميداني، رغم نشر صور وفيديوهات توثّق حمولتها العسكرية، وما تبع ذلك من تماد في التّهافت والكذب بادعاء أنّ الحوثيين بدّلوا حمولتها!
هذا الانهيار الإعلامي على مستوياته العامّة والحربية، يعكس انهياراً سياسياً وثقافياً، ويعكس استخفافاً غير مسبوق بالشعوب وعقولها ووزن الرأي العام في معادلات اتّخاذ القرار.
وهذا الانهيار الإعلامي يُشير بالضرورة إلى حجم الأزمة السياسيّة، وهو رسالة في حدّ ذاتها بالضّعف والارتباك، لا يمكن أن تمحوها الرسائل الأخرى التي تدّعي القوّة والتي لا تعدو كونها تصريحات جوفاء لا علاقة لها بسير الأحداث على المحاور الاستراتيجيّة بالجبهات.