(أحمد شوقي\ راصد الخليج)
في تطوّر خطير، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أنّ السعودية، التي تُعدّ أكبر مصدر للنّفط في العالم، تدرس قبول اليوان الصيني بدلاً من الدولار في مبيعات النّفط للصين.
وقالت مصادر مطّلعة إنّ المملكة العربية السعودية تجري محادثات نشطة مع بكين لتسعير بعض مبيعاتها النفطيّة إلى الصين باليوان، وهي خطوة من شأنها أن تقلّل من هيمنة الدولار على سوق النّفط العالميّة وتمثّل تحوّلاً آخر من قِبَل أكبر مصدر خام إلى آسيا في العالم.
ويقول المراقبون أنّ الاتّفاق في حال اكتماله يهزّ مكانة الدولار، لأنّ تأسيس نظام لأسعار الصّرف المباشرة بين عملتي اليوان الصيني والريال السعودي سيُتيح لبكين شراء النّفط السعودي بعملتها مستقبلاً ما سيُلحق الضّرر بالدولار.
ومن المعلوم أنّ الصين تعدّ أكبر مستورد للنّفط السعودي في العالم، بما يتجاوز 1.1 مليون برميل يوميًا، بنسبة تقترب من 15% من صادرات النّفط السعودية للعالم إجمالاً.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن أشخاص مطّلعة أنّ المحادثات مع الصين بشأن عقود النّفط المسعّرة باليوان توقّفت منذ 6 سنوات، لكنّها تسارعت هذا العام حيث أصبح السعوديون غير راضين بشكلٍ متزايد عن الالتزامات الأمنيّة الأمريكيّة للدّفاع عن المملكة.
وبنظرة تاريخيّة سريعة لمعرفة خطورة الخطوة، فإنّ الذّهب كان هو الغطاء الذي يعطي للعملة الورقية قيمتها، وتمّ تأكيد ذلك في مؤتمر بريتون وودز الذي عقد في عام 1944 في الولايات المتّحدة قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية وذلك لأجل وضع إطار لنظام مالي عالمي جديد، إذ يقوم هذا النظام النّقدي الجديد على أساس "قاعدة الصرف بالدولار الذهبي"، وبذلك تحوّل الدولار الأميركي من عملة محلية إلى عملة احتياط دولية.
وكان على كل دولة شاركت في المؤتمر أن تحدّد قيمة تبادل عملتها الوطنية بالنسبة إلى الدولار على أساس الوزن والعيار النّافذين في أوّل يونيو/حزيران 1944. وبهذا تحدّد كلّ دولة قيمة عملتها المحليّة بالدولار وتتحدّد قيمة الدولار بالذهب وبسعر صرف ثابت. وقد استمرّ العمل بهذا النّظام حتّى عام 1971 عندما أعلن الرئيس الأميركي نيكسون وقف قابليّة تبديل الدولار إلى ذهب وهو أهم أركان نظام بريتون وودز بما عرف بصدمة نيكسون وأدّى بعد ذلك إلى انهيار نظام بريتون وودز.
وبعد انهيار نظام بريتون وودز إثر صدمة نيكسون تحوّلت العملة من عملة مدعومة بأصول ثابتة إلى مجرّد مستند ورقي قانوني مدعوم من الدولة بدون أي غطاء مادي ملموس.
وللحفاظ على مكانة الدولار كعملة احتياط دولية، قامت أمريكا بعقد اتفاقيّة مع المملكة العربية السعودية في عام 1974 باعتبارها أكبر منتج للنّفط في العالم تقوم من خلاله السعودية بتسعير نفطها بالدولار وهو ما مهّد الأرضية لنشأة مصطلح البترودولار.
وبهذه الاتّفاقات تغطّي الولايات المتّحدة طباعة دولارها بالهيمنة على تجارة النّفط الدولية، وأيضاً باستهلاك فوائض النّفط في الاقتصاد الأمريكي، وأصبح نمط العلاقة بين السعودية والولايات المتّحدة محدّداً لدول مجلس التّعاون الخليجي، وعموم دول أوبك الأخرى المنتجة للنّفط نظراً للهيمنة الأمريكية على عوائد النّفط السعودية، والوزن السعودي الأهم في منظمة أوبك.
أمّا الذي تقدّمه الولايات المتّحدة للسعودية بالمقابل هو الحماية للنظام السعودي.
خطورة الخطوة على مكانة الدولار:
تقول التقارير الاقتصادية أنّ السعودية تُعتبر أكبر مصدّري النّفط إلى الصين، وأظهرت البيانات أنّ المملكة حافظت على مرتبتها كأكبر مصدّر للنّفط الخام إلى الصين في العام 2021، حيث زادت الإمدادات بنسبة 3.1% مقارنة بالعام 2020.
كما أنّ الولايات المتّحدة لم تعُد المستورد الأكبر عالمياً للنّفط الخام، وبالتالي ليست اللاعب الأساسي موضوعياً في التأثير على سوق بيع النّفط الدولية... والتّحدي ليس فقط من الصين التي أصبحت أكبر مستورد عالمي تساهم بنسبة 18% من كتلة استيراد النّفط الدولية، بل أيضاً من كتلة الاتّحاد الأوروبي التي أصبحت بشكلٍ مشترك تستورد قرابة 30% من النّفط الخام عالمياً، هذا عدا عن أوزان الاستهلاك الكبرى الأخرى في السوق الآسيوية: الهند وكوريا الجنوبية، واليابان وغيرها، حيث الاستيراد الآسيوي يُقارب 48% من المجمل العالمي.
وبالتّالي فإنّ هذه الخطوة تفتح الباب لعملات أخرى وخاصّة اليوان الصيني للنّيل من مكانة العملة الأجنبية، ويخدم ذلك مشروعاً موازياً للصّين يُعرَف بمشروع البترو يوان.
أوراق أمريكية عقابية متدرّجة :
يرى المراقبون أنّ الأزمة الأخيرة وضّحت مستوى التناقض في العلاقات السعودية الأمريكية النفطيّة، كما أنّ انهيار أسعار النفط يقلّص فوائض البترودولار إلى حدّ بعيد، بل يحوّل دول الخليج إلى أزمات سيولة مالية وعجوزات... ما يلغي جزءاً من المصلحة الأمريكية في سوق نفط الخليج التي كانت فوائضها تنتقل إلى الولايات المتّحدة، ولكنّه لا يلغي الاهتمام الأمريكي بمخزون وإنتاج النّفط السعودي والخليجي، وضرورة بقائه مسعّراً بالدولار.
وهو الأمر الذي تحرص الولايات المتّحدة على استمراره بكلّ الطّرق، حتّى لو اضطرت لأعلى مستوى من الضّغط والابتزاز للسعودية، كما تلوّح في قانون NOPEC الذي يفرض عملياً عقوبات على السعودية بذريعة مواجهة احتكار منظّمة أوبك للنّفط، القانون الذي إذا ما أُقرّ فإنّه يُتيح للولايات المتّحدة مُصادرة الأموال والاستثمارات السعودية في الولايات المتّحدة ويهدّد حوالي 1 تريليون دولار من التزامات السعودية في أميركا!
جرائم أمريكية للحفاظ على مكانة الدولار
في عام 2000 ، أعلن صدام حسين، رئيس العراق آنذاك ، أنّ العراق يتّجه لبيع نفطه باليورو بدلاً من الدولار.
وبعد 11 سبتمبر، غزت الولايات المتّحدة العراق، وأطاحت بصدام حسين، وحوّلت مبيعات النّفط العراقي إلى الدولار الأمريكي.
كما تكرّر هذا النّمط مع معمّر القذافي عندما حاول إنشاء عملة أفريقية موحّدة مدعومة باحتياطي الذّهب الليبي لبيع النفط الأفريقي، وبعد وقت قصير من إعلانه، أطاح المتمرّدون الذين سلّحتهم حكومة الولايات المتّحدة وحلفاؤها بالقذافي ونظامه، وبعد وفاته، سرعان ما تلاشت فكرة بيع النّفط الأفريقي لشيء آخر غير الدولار.