(أحمد شوقي\ راصد الخليج)
وسط سخط جماهيري مصري على بَيع أصول الدولة المصرية للإمارات، دخلت السعودية على الخط، ليفاجأ الشّعب المصري بأنّ أصول بلاده أصبحت سلعًا تنافسيّة بين السعوديّة والإمارات!!
وقد أفادت وسائل الإعلام المصريّة نقلًا عن مصادر مصرفيّة، إنّ البنك المركزي المصري يُفاضل بين عرضين من صندوق الاستثمارات العامّة السٍعودي، وصندوق الثّروة السّيادي "شركة (ADQ) القابضة" المملوك لحكومة أبو ظبي الإماراتيّة للاستحواذ على المصرف المتّحد، وإنّه لم يتمّ حسم أمر هذه الصّفقة بعد.
وأضافت المصادر أنّ البنك المركزي منح موافقة في وقتٍ سابق لصندوق الاستثمارات العامّة السعودي، وكذلك شركة (ADQ) القابضة لإجراء فحص نافي للجّهالة على المصرف المتّحد وتمّ الانتهاء من إتمام هذه العمليّة، ولكن لم يتمّ حسم أي عروض مقدّمة منهما.
وبنك المصرف المتّحد، هو الكيان الذي تمّ إنشاؤه في عام 2006 ضمن تنفيذ خطّة إصلاح الجهاز المصرفي، وتقليص عدد البنوك في مصر من 69 بنكًا إلى 39 فقط، والعمل على تقوية مراكزها المالية.
وكان طارق عامر محافظ البنك المركزي السابق أعلن في مارس 2016 بَدء إجراءات لتجهيز المصرف المتّحد للبيع لمستثمر استراتيجي، وتقدّم صندوق أمريكي متخصّص في المشروعات الصّغيرة والمتوسّطة لشراء المصرف في 2019 ولكن تمّ تأجيل عمليّة الفحص النّافي للجهالة بسبب تزامنها مع انتشار جائحة فيروس كورونا.
والأمر لا يقتصر على ذلك، فقد قامت الشّركة السعودية المصرية للاستثمار، التّابعة للصندوق السيادي السعودي، بعملية استحواذ على حصص في 4 شركات كبرى مصرية.
وتضمّنت الشّركات التي تمّ الاستحواذ على حصص فيها كلًّا من: شركة آي فاينانس للاستثمارات الماليّة، شركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، أسهم أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، بمبلغ إجمالي 24.8 مليار جنيه مصري.
كما حاز صندوق الاستثمارات العامّة السعودي على اهتمام الصّحافة المحليّة، وسط تقارير حول صفقات استحواذ كبيرة محتملة على شركة مصر للألومنيوم، والشّركة المصريّة لمدينة الإنتاج الإعلامي.
وفي يونية الماضي استضافت الهيئة العامّة للاستثمار والمناطق الحرّة مراسم توقيع 14 اتفاقيّة استثماريّة بين الجانبين المصري والسعودي بقيمة 7.7 مليار دولار في قطاعات البنية التحتيّة والخدمات اللّوجستية وإدارة الموانئ والصناعات الغذائية وصناعة الأدوية والطاقة التقليديّة والطاقة المُتجدّدة ومنظومة الدّفع الإلكتروني والحلول التقنيّة الماليّة والمعلوماتية.
وتمامًا مثل الإمارات، دخلت السعودية على خط الصناعات الدوائيّة والقطاع الطبّي والدوائي، حيث أعلنت شركة جمجوم فارما عن تدشين مصنع جمجوم فارما بمصر.
كما شهدت مراسم التوقيع بين الجانبين توقيع اتفاقية البرنامج التنفيذي للتّعاون في المجال الإعلامي بين وزير الإعلام السعودي ورئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وذلك لتعزيز التعاون الثنائي بين الجهتين في مجالات الصحافة والإذاعة والتلفزيون والإنتاج الدرامي والإعلام الرّقمي.
كما دخلت السعودية على خط الاستحواذ على الأراضي، حيث تمّ الإعلان عن أنّ الهيئة العامّة للاستثمار والمناطق الحرة ستقوم بدورها لدعم المشروعات الاستثماريّة السعودية، وإزالة كافّة التحديّات أمام تنفيذها، حيث سيتمّ منح الرّخصة الذّهبية للشركات التي تؤسّس لإقامة مشروعات استراتيجيّة، أو قوميّة، بالإضافة إلى تقديم مختلف التيسيرات فيما يتعلّق بإجراءات حصول المستثمرين على الأراضي، وأنّه سيتمّ مدّ المستثمرين السعوديين بالمعلومات اللازمة عن الفرص الاستثماريّة الجديدة المُتاحة على خريطة مصر الاستثمارية التي تضُم أكثر من 2700 فرصة استثمارية في مختلف القطاعات الاقتصادية.
والقضية هنا تتخطّى التّعاون الاستثماري إلى مجالات الأمن القومي، فبعد كارثة تيران وصنافير والتنازل عن الجزيرتين الاستراتيجيتين للسعودية، فإنّ الاستحواذ على مجموعة ضخمة من البنوك تمّ ضمّها لبنك واحد متّحد، هو ارتهان مالي خطير يمسّ بالأمن القومي، ناهيك عن السيطرة على المجال الإعلامي والذي يجب أن تكون الكلمة العليا به للدولة وعدم السماح بالتّلاعب الإعلامي والثّقافي لصالح أجندات أخرى، لا سيّما في ملفّات بها خلافات بين مصر والسعودية على مستوى العلاقات مع بعض الدول أو الثّقافة الدينيّة.
كما أنّ القضيّة التي تؤرّق الكثير من النّخب المصريّة الواعية والمتخصّصة في الاقتصاد، هي أنّ هناك شركات كبرى ناجحة وضخمة وتشغل أعداد ضخمة من العمالة المصرية، مثل شركات الأسمدة، ومثل شركة الألومنيوم التي شكّلت مشروعًا قوميًا عملاقًا في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، يتمّ بيعها دون ضمانات للعمالة وخسارة ما تدرّه للدولة من عملة صعبة عبر الصّادرات للخارج.
ولعلّ موطن الرّيبة الرّئيسي هو الدّخول المكثّف السعودي وعدم تنويع مصادر الاستثمار وهو ما يعني أنّ هناك ترجمة سياسيّة مباشرة لهذا الاستحواذ الاقتصادي، وهي الارتهان المصري للسعوديّة!