(أحمد شوقي\ راصد الخليج)
تفاقمت ظاهرة بيع الأصول المصريّة لدول الخليج وخاصّة السعوديّة والإمارات، لدرجة أثارت قلق الخبراء الاقتصاديين، والذين يفرّقون بين الاستثمارات وبين خطورة امتلاك أصول الدّولة من الشّركات العملاقة والتي على صلة وثيقة بالأمن القومي.
وبعد دخول قطر على الخط مع السعوديّة والإمارات، أبرزت الإحصائيّات أرقامًا ومؤشّرات خطيرة، حيث أفادت التّقارير باتّجاه مصر نحو بيع أصول هامّة كالبنوك والفنادق والشّركات التي تحقّق أرباحًا لمستثمرين إماراتيين وسعوديين، في مواجهة تراجع احتياطي البلاد من النّقد الأجنبي نتيجة التوسّع في الاقتراض من الخارج، من أجل استكمال إنشاءات العاصمة الإداريّة الجديدة، وبعض المشاريع الضّخمة التي تصفها الحكومة بـ"القوميّة".
وأضافت التّقارير أنّ نظام السيسي يواجه أزمة تتمثّل في ضرورة سداد مستحقّات والتزامات ماليّة تصل إلى 30 مليار دولار خلال العام الحالي، في ظلّ محدوديّة الخيارات المتاحة لتوفير النّقد الأجنبي، وهذا المبلغ مقسّم إلى 20 مليار دولار مديونيّات يجب سدادها، و10 عجز في الميزان التّجاري بين الصّادرات والواردات.
وبشأن الاستثمارات الخليجيّة، كان رئيس قطاع الاستثمار في صندوق مصر السيادي عبد الله الإبياري، قد كشف أنّ الصندوق نجح في جذب استثمارات بقيمة 3.3 مليار دولار من الصناديق السياديّة العربيّة (الخليجيّة) خلال عام 2022، جانب منها كان بالعملة الأميركيّة الدولار وجانب آخر بالجنيه المصري" مشيرًا إلى "تشارك القطاع الخاص مع الصندوق في جذب رؤوس الأموال من هذه الصناديق، في مجالات أهمّها: السياحة وتطوير الآثار والاستثمار العقاري والصّناعة والخدمات المالية والتّعليم والصّناعة.
إلّا أنّ خبراء اقتصاديين بارزين، مثل أحمد السيّد النجّار، عبّروا عن خشيتهم من أنّ الدولة تتّجه لبيع كميّات ضخمة من الأصول العامّة المملوكة للشّعب خاصّة النّاجحة منها، بدليل أنّها باعت بالفعل حصصًا في أفضل الشّركات المصريّة العام المالي الماضي، لعدد من الدول الخليجية.
ووصف النجّار، الشّركات المُباعة بأنّها "زبدة" الاقتصاد المصري، مثل شركات أبو قير والإسكندرية لتداول الحاويات، وشركة فوري، مشيرًا إلى أنّ معامل الاسترداد أو الربحيّة من هذه الشّركات قد تغطّي مصاريف الصّفقة في خلال 5 سنوات، في حين أنّه في المتوسّط يكون من عشرة إلى 15 عامًا، وفي أوقات الأزمات يزيد الأمر عن 20 عاما".
زمن المعلوم أنّ الصندوقين السياديين السعودي والإماراتي اشتريا أصولًا مصريّة تجاوزت قيمتها 3.1 مليارات دولار خلال الفترة الماضية، فقد اشترى صندوق أبوظبي السيادي حصصاً مملوكة للدّولة في خمس شركات مُدرجة في البورصة بقيمة إجمالية بلغت 1.8 مليار دولار في شهر إبريل الماضي. حيث استحوذ على 20% من أسهم شركة موبكو، و21.5% في أبو قير للأسمدة، و32% في الإسكندريّة لتداول الحاويات، كما اشترى حصصاً رئيسيّة في مؤسّستين عملاقتين، هما البنك التّجاري الدّولي CIB- مصر (17.5%) وشركة فوري للمدفوعات الإلكترونيّة (11.8%).
ولا يكتفي الصندوقان الخليجيّان بهذه الصفقات الضخمة، فالصندوق السيادي السعودي يتفاوض أيضاً لشراء المصرف المتّحد، التّابع للبنك المركزي المصري، كما يتفاوض لشراء أصول أخرى، منها ثلاث صفقات استحواذ كبيرة، في مقدّمتها شراء نحو 25% من أسهم شركة مصر للألومنيوم، وشراء حصّة كبيرة من أسهم الشّركة المصريّة لمدينة الإنتاج الإعلامي.
ومؤخّرًا، دخل جهاز قطر للاستثمار، الصندوق السيادي القطري، السباق، حيث يسعى كما غيره من الصناديق الخليجيّة، لشراء حصّة رئيسيّة في شركات كبرى منها فودافون مصر والشرقية للدّخان، المصرف المتّحد، المصريّة للاتّصالات، مصر للألومنيوم، المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي وغيرها.
كما أبدى جهاز قطر للاستثمار رغبته في الاستثمار في قطاع الطاقة الجديدة والمتجدّدة والهيدروجين الأخضر والعقارات والتكنولوجيا المالية في مصر.
وأشار الخبراء المصريون إلى أنّ هناك مخاطر شديدة لفتح الباب على مصراعَيه للاستحواذات الخليجيّة وغيرها، خاصّة على إيرادات الدولة ومواردها السياديّة، والموازنة العامّة والخدمات المقدّمة للمواطن خاصّة إذا احتكرت بعض الأنشطة المهمّة كما في المستشفيات ودور الرّعاية الصحيّة ومعامل التّحاليل وقطاع الاتّصالات.
المُشكلة في مصر لها شقّان، أحدهما يتعلّق بالنّظام وتهاونه في الأمن القومي، والآخر يتعلّق بالخليج الذي يشتري أصولًا تمكّنه من التحكّم في الاقتصاد المصري والسّيطرة على القرارات السياديّة في توقيت دولي خطير يستدعي الحذر والدقّة في التوجّهات والخيارات في بلد له موقع حساس مثل مصر.