(أحمد شوقي\ راصد الخليج)
رغم عراقة العلاقات السعوديّة الأمريكيّة وعودتها إلى العام 1933، إلّا أنّ أوّل رئيس أمريكي يزور السعوديّة كان الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، وذلك عام 1974، والتقى حينها الملك فيصل بن عبد العزيز، وهو يعكس طبيعة العلاقة ووزنها النّسبي القائم على التبعيّة السعوديّة و الاستغلال والابتزاز الأمريكي.
والملاحظ أنّ زيارات رؤساء أمريكا للسعوديّة كانت تتزامن دومًا مع أزمات أمريكيّة، أو حاجة لانطلاق مشروع أمريكي جديد.
فقد كانت زيارة نكسون لحاجة أمريكا لدعم اقتصادي تزامنًا مع أزمة اقتصاديّة أمريكيّة كبيرة، وفي العام 1978 زار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، الرّياض وبحث مع الملك خالد، مشروع كارتر لتحريك عمليّة السّلام بين العرب إسرائيل، بينما الرئيس الأمريكي جورج بوش ضمن أكثر رؤساء أمريكا زيارة للمملكة التي زارها 3 مرات، أعوام 1990 و1991 و1992 تزامنًا مع حرب الخليج.
وربّما من مصاديق ذلك، زيارة الرّئيس بايدن الأخيرة للسعوديّة رغم الخلاف المُعلن بينه وبين ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وانتقاده العلني له، إلّا أنّ الحاجة الأمريكيّة لضبط أسعار النّفط وتشكيل تحالف إقليمي لمواجهة إيران وروسيا، فرضت على بايدن الزيارة رغم الهجوم الذي تعرّض له من المنظّمات الحقوقيّة وقطاعات كبيرة من الديمقراطيين.
إلّا أنّ اللّافت هو تجرّؤ ولي العهد على الخلاف مع إدارة بايدن وعدم الاستجابة للرّغبات الأمريكيّة بزيادة انتاج النّفط وانخفاض أسعاره، وهو ما بدا تحدّيًا وصل بالبعض لأن يفترض أنّ السعودية تتحوّل استراتيجيًا باتّجاه الشّرق وتتحالف مع روسيا والصين!
ووصل الأمر لذروته مع إعلان أمريكا أنّ السعودية تساعد روسيا في الحرب على أوكرانيا، وهو ما لم تتحمّله السعودية فسارعت للنّفي واتّخاذ إجراءات أقرب للإعتذار ودشّنت إجراءات لدعم أوكرانيا.
وقد قال البيت الأبيض، في أحدث بياناته الصحفيّة في هذا الشّأن، إنّه لاحظ الخطوات التي اتّخذتها السعودية في الأيام الأخيرة لدعم أوكرانيا، وهو ما يبدو تلطيفًا للأجواء والابتعاد بها عن مرحلة القطيعة.
وهنا لا بدّ من مناقشة الأمر بشكلٍ موضوعي وعميق، حيث بُنيت العلاقات السعوديّة الأمريكيّة على فلسفة اتّفاق كوينسي ومفاده هو حماية العرش السعودي مقابل النّفط، ويبدو أنّ خللاً حدث بهذه الفلسفة، حيث تمّ المساس بالمصالح النفطيّة الأمريكيّة وهو ما قابله تهديد أمريكي بالمساس بالحماية الأمريكيّة للعرش.
إلّا أنّ حجم المساس لا يرقى لكونه عميقًا واستراتيجيًا، حيث اعتماد البترو دولار كعملة دولية لا يزال في موقعه، وبالتّالي لم يمسّ الخط الأحمر، كما أنّ السعوديّة ومنطقة الخليج تدخل في صلب نظريّة الأمن القومي الأمريكي ولا يمكنها التّفريط بها وترك الفراغ لروسيا والصين.
وبالتّالي فإنّ الأمر يبدو وكأنّه خلاف بين إدارتين، ويبدو أنّ ولي العهد السعودي يراهن على إدارة أُخرى وهي إدارة ترامب والجمهوريين، وهو ما يعني أنّ الخلاف مع الإدارة الديمقراطيّة وليس مع أمريكا ودولتها العميقة، حيث تنتمي السعوديّة لقوات سنتكوم ويقوم هيكل أمنِها التّسليحي على البنتاجون.
هنا يمكن تفسير مسارعة السعوديّة لتلطيف الأجواء مع الدولة الأمريكيّة وأمنها القومي وبالتّالي دعمها لأوكرانيا لعلمها بحساسيّة الملف للدّولة الأمريكيّة وليس للإدارة فقط، بينما تسير في تحدّي رغبات بايدن في سقف لأسعار النّفط، لأنّها تعلم أنّه أمر يمس الإدارة بشكلٍ مباشر وقد يصبُّ في صالح الإدارة الأُخرى المُنافسة والتي تَميل لها السعوديّة، ولا يرقى التّهديد لخط أحمر أمريكي مثل البترودولار.
قد يرى بن سلمان أنّ هذا التحدّي يُعطيه شعبيّة أو سيطاً سياسياً باعتباره يتحدّى بايدن، ولكنّه يعلم بالسّقف الذي يتوقّف عندَه لأنّ السعوديّة ليست مؤهّلة لتحدّي أمريكا بسبب ارتباطاتها وسياساتها والتي لا يمكن وصفها بالمقاومة أو مناهضة الاستعمار.