خاص الموقع

البحرين مملكة الحريّة والإنفتاح من السّياسة حتّى الشّذوذ

في 2022/12/16

(مبارك الفقيه\ راصد الخليج)

سرَت الشّائعات عن صدور قرار من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة بإنشاء أوّل جمعيّة رسميّة للشّواذ جنسياً في المملكة، كالنّار في الهشيم، خصوصاً أنّها اقترنت باسمي نبيل الحمر، وهو مُستشار الملك لشؤون الإعلام، كرئيس للجمعيّة، وسوسن الشّاعر الكاتبة والنّاشطة في مجال حقوق الإنسان؛ ولم تقف الشّائعات عند هذا الحدّ، بل ذهبت إلى تزويج الحمر من عشيق له بما يجعل منه قائد ركَب الشاذّين في البحرين، وكذلك تزويج الشاعر من عشيقتها عهدية أحمد النّاشطة الإعلاميّة المعروفة بموقفها الحادّ المؤيّد لخيار السّلام ونضالها المستميت لإقامة علاقات شاملة مع إسرائيل.

سُرعان ما بادر الحمر والشّاعر إلى نَفي هذه الأقاويل بشكلٍ قاطع وجازم، واضعين الأمر في إطار الأكاذيب التي لا تحتاج إلى ردّ، مع العلم بأنّ المملكة شرّعت "المثليّة الجنسيّة" منذ العام 1976، والقانون يجرّم فقط من يُمارس الشّذوذ للقاصرين ويُبيح ذلك لمن تبلغ أعمارهم السنّ القانونيّة، أي 21 عاماً وما فوق؛ ومنذ العام 2014 بات مسموحاً إجراء جراحة للرّاغبين في إعادة تحديد جنسهم أو تغييره.

وتكريماً لهذا الإنفتاح الإستثنائي في إطار قوانين إباحة الشّواذ الجنسي في المملكة، نشرت السفارة الأمريكيّة في المنامة صورة للعلم الأمريكي إلى جانب علم المثليين وكتبت عبارة: "ترفع السفارة الأمريكيّة في المنامة اليوم بفخر علم المثليين، وسترفع البعثات الدبلوماسيّة الأمريكيّة في جميع أنحاء العالم بفخر علم قوس قزح لدعم النّهوض بحقوق الإنسان لجميع الأشخاص، معاً، نكرّم العالم الذي يحترم ويحتفل ويحتضن كرامة جميع الأفراد".

لم يبرز أي موقف رسمي فوري في البحرين انتقد أو رفض هذا الأمر، واقتصَرت المواقف المعترِضة على بعض رجال الدين والقَضاء والنّشطاء من هنا وهناك، باعتبار أنّ ترويج هذه الثّقافة في دولة يسود فيها المسلمون كالبحرين، يعدّ إساءة للقُيَم الأخلاقيّة والآداب الإنسانيّة، وهذا ما دفع المجلس الأعلى للشؤون الإسلاميّة في المملكة لإصدار بيان لاحق، قُبيل انطلاق مباريّات كأس العالم لكرة القدم في قطر، رفض فيه بشكلٍ قاطع "الحملات الشيطانيّة النّشاز"، معتبراً أنّ "هذه الحملات التي تقودها قوى ومنظّمات عالميّة تسعى جاهدةً لتشويه الفطرة البشريّة، وهدم القيَم الدينيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة".

إلّا أنّه وعلى الرّغم من نَفي "الشّائعات" التي طالت هؤلاء الأشخاص المعروفين بقُربهم من دوائر الحُكم في المملكة ومن البلاط الملكي تحديداً، إلّا أنّ هناك جملة من التّساؤلات حول الموضوع من حيث الأصل والإرتباط والعلاقة، بما يطرح فرضيّة احتمال صحّة ما يُقال على مستوى الواقع، ولكن مع تفضيل عدم الإعلان عنه بشكلٍ رسمي أو تأخير الإعلان إلى أن يَحين الظّرف المُناسب لذلك، وعليه يُمكن وضع هذه الشّائعات في إطار حركات جسّ النّبض من جهة، وكسر الحاجز النّفسي من جهة ثانية، بحيث يَجري تداول الموضوع في الأوساط الإعلاميّة والنقابيّة والشعبيّة، وإثارة القضيّة بين مؤيّد ورافض وصولاً إلى تقبّل الفكرة بعد إزالة العقبات تدريجياً.

الأصل في كسر حاجز الشّواذ هو في التّشريع القانوني أوّلاً، والإرتباط في هذه القضيّة هو الحديث عن أشخاص معروفين بأنّهم من روّاد العرب الذين طالبوا بتجاوز الشّعارات البالية التي تُنادي بتحرير فلسطين من النّهر إلى البَحر"، فقد آن الأوان للقرار الشّجاع في فتح الأبواب على مصاريعها من أجل السّلام، كما تُجاهر به سوسن الشّاعر التي جاهدت طوال سنين في إرساء روحيّة السّلام بين الشّعبين البحريني والإسرائيلي، وتطبقه أيضاً عشيقتها المزعومة "الكاتبة المُناضلة" عهديّة أحمد، وُفق تعبير النّاطق باسم الجيش الإسرائيلي الصّديق أفيخاي أدرعي، وهي عاشت أيّاماً فريدة في ميزتها معه خلال زيارتها لإسرائيل، وتبادلت معه عبارات الغَزل مُعربةً عن عارم حبِّها "للشّعب الإسرائيلي لما تلقّيته من كَرم وضيافة ومحبّة".

هناك من يَضع هذا السّيناريو في إطار نظريّة المؤامَرة التي يُتّهم العرب دوماً أنّهم رازحون تحت تأثيرها منذ أزمان غابرة، بدءاً من النّداءات التي حذّرت من ضَياع القضيّة الفلسطينيّة خصوصاً بعد العام 1948، والتي قيل يومَها أنّها مخاوف لا مبرّر لها فالعرب أمّة موحّدة وإسرائيل قوّة ضَعيفة وشراذم من الجماعات المتفرّقة، لا قُدرة لها على ابتلاع فلسطين، ولكن المؤامرة التي قيل إنّها نظريّة باتت اليوم حقيقة ماثلة بوقائع دامغة، بعد أن وطأت قدما الرئيس الإسرائيلي أرض المَنامة على رُحب وسعة الكرَم العربي، وتتويجاً لما سمّي الإتّفاق الإبراهيمي الذي تفتخر البحرين بأنّها كانت السبّاقة إلى إبرامه في سبتمبر عام 2020.

أمّا في العلاقة فربّ قائلٍ إنّ لا شيء جديداً في كل ذلك، فالبحرين كمملكة وحكم وقرار رئاسي ورسمي أعلنت عن إقامة العلاقات مع إسرائيل على الملأ، وهي عازمة على توسيع مجالات التٍطبيع الأمني والعسكري والإقتصادي وكلّ المجالات التي توثّق اللّحمة الشعبيّة والاندماج الثّقافي والتّربوي والإجتماعي، حتّى لو تطلّب ذلك تسليم مفاتيح القصر الملكي للإسرائيليين، فإنّ الثّقة العميقة التي تكرّست على مدى عشرات السّنوات من الزواج الخفي مع إسرائيل، تعمّدت أخيراً في بيت الأديان الإبراهيميّة، بما يعوّض أبناء الإنسان عن المعابد المتزمّتة كالمسجد والكنيسة والكنيس، فأين الخطأ في مسألة تشريع الشّواذ أو تأسيس جمعيّة خاصّة بهم؟ ولماذا يُثار هكذا موضوع طالما أنّ مقدّماته متوافِرة وفق القانون والتّشريع الملكي في البحرين؟

نعم هذا الكلام صحيح من حيث المقدّمات والإرهاصات الطبيعيّة المنطقيّة، وعبّرت عنه المُناضلة سوسن الشّاعر وأكثر منها وضوحاً النّاشطة المجدّة عهديّة أحمد التي استلهَمت من أفيخاي أدرعي "الأمل في صنع مُستقبل أفضل للأجيال القادمة معاً"، واستمدّت الطّاقة الفعّالة "من دعمه اللّامحدود للمرأة"، بما يحثّها أكثر للعمل على أن تَرقى المرأة الخليجيّة إلى مصاف المرأة الإسرائيليّة.. وبرأي عهديّة فإنّ الشّرق الأوسط بدأ يتغيّر منذ العام 1976، وصولاً إلى اليوم حيث أصبحت إسرائيل تلعب دوراً مهماً في المنطقة، ولا يُمكن لأحد أن يُلغيها من الخَارطة، وللمُصادفة فإنّ تشريع الشّذوذ في البحرين كان أيضاً في العام 1976.. هل هي فعلاً مُصادفة؟!