(أحمد شوقي\ راصد الخليج)
من المَعلوم أنّ خير الأمور أوسطها/ وأنّ التّوازن هو من سِمات العقلانيّة ومتطلّبات النّجاح والأمن، ولكن في عالم السّياسة، قد تكون هناك ملفّات لا تصلح بها هذه القاعدة، وخاصّة وإنْ كانت ملفّات تتعلّق بصراعات حادّة وشائكة وتتطلّب انحيازات مبدئيّة.
والإمارات من أكثر الدَّول في الخليج، وربّما في العالم، التي تَتبع سياسات التحوّط ومحاوَلة التّوازن في العلاقات للحفاظ على دَور تطمح له، وهي أن تكون شريكًا تجاريًّا للفُرقاء، وألّا تَستعدي المُعسكرات المُتباينة وأن تُحافظ على كونها مركزًا ماليًّا يُعتدُّ به دوليًّا وهو ما يَرفع أسهمها على المُستوى الإقليمي والدّولي.
ولكن يبدو وأنّ الميزان به خلَل في الملفّات الأمنيّة والسياسيّة المتعلّقة بالصّراع مع العَدو الإسرائيلي والذي اتّبعَت به الإمارات مسارًا أقلّ ما يُمكن وصفه به، أنّه مسار متهوّر.
ومن أخطر التّقارير التي نُشرَت في الفترة الأخيرة، تقرير يُفيد بأنّ شركات إسرائيليّة واصلت عقد صفَقات تُمكّنها من إحكام سيطرتها على الأمن السيبراني لدولة الإمارات .
وقبل الخَوض في خطورة ذلك، يجدُر بنا ذكر احصائيّة تجاريّة لافتة، ذكرها رئيس مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي دوريان باراك، حيثُ قال إنّ التّجارة بين الإمارات و"إسرائيل" بلَغت نحو ملياري دولار في عام 2022، وترتفع إلى نحو 5 مليارات دولار في 5 سنوات، مدعومة بالتّعاون في قطاعات الطّاقة المتجدّدة والسّلع الاستهلاكيّة والسياحة وعلوم الحياة.
وأضاف باراك أنّ دُبي أصبحت بسرعة مركزًا للشّركات الإسرائيليّة التي تتطلّع إلى جنوب آسيا والشّرق الأوسَط والشّرق الأقصى كأسواق لسلعها وخدماتها، وتابع أنّ ما يقرُب من ألف شركة إسرائيليّة ستعمل في الإمارات العربية المتّحدة ومن خلالها.
وهذه الاحصائيّة تُبرز دلالات كبرى باندفاع في التّحالف الاقتصادي نحو بؤر تَشهد صراعات بين القوى الكبرى، والأهم هو أنّ الدّاخل الإماراتي يعدّ مخترقًا بلحاظ أنّ مُعظم الشّركات الاسرائيليّة تُشكّل واجهات لجهات استخباراتيّة في كَيان يقوم على الأمن وتُسيطر عليه العقليّة العسكريّة والاستخباراتيّة، وهو جرس إنذار في حدّ ذاته يجب تحذير الإمارات منه.
وبالعودة للاختراق السيبراني المُشار إليه، فقد أعلنت شركة Cyberint Technologies Ltd الإسرائيليّة المتخصّصة في الاستخبارات الإلكترونيّة والرّائدة في مجال الذّكاء المؤثّر، أنّها وقّعَت اتفاقيّة مع شركة “اتّصالات” الإماراتيّة التّابعة لمجموعة “e&”، لحماية بِنيتها التحتيّة من الهَجمات السيبرانيّة والمختَرقين.
وقالت وسائل الإعلام الإسرائيليّة أنّ الاتّفاق مدّته ثلاث سنوات ويقدّر بعشرات الملايين من الشّواكل، وستَستفيد بموجبها “اتّصالات e&” الإماراتيّة من الاستفادة من منصّة Cyberint للاستخبارات، والمعروفة باسم Argos.
ورُغم أنّ الجانب المُعلَن من الاتّفاق هو حماية البِنية التحتيّة الإماراتيّة من التّهديدات الإلكترونيّة النّاشئة مثل برامج الفِدية، وبيانات الاعتماد المسرّبة، والاحتيال، ومساعدة شركة الاتّصالات على اتّخاذ خطوات استباقيّة ضدّ الهَجمات أو الحملات المستهدَفة قبلَ حدوثها، إلّا أنّ المَسكوت عنه هو تَوافر قواعد البيانات الإماراتيّة للعَدو الإسرائيلي ووقوعها تحت سيطرته!
والخطير هنا أيضًا، هو أنّ “اتّصالات e&” التي تأسّست منذ أكثر من أربعة عقود في الإمارات كأوّل مزوّد لخدمات الاتّصالات في البلاد، تضمّ 155.4 مليون مشترك في 16 دولة في أنحاء الشّرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، وهو ما يَعني اختراقًا لمواطني الإمارات، بل واختراقًا يتعدّى الإمارات ليَصل لمواطني دوَل أُخرى وثقت بالإمارات وليست بالضرورة تُوافق على التّطبيع أو تعلم أنّه سيأتي يومًا تكون بياناتهم بحوزة الإسرائيليين!
وقد شاركت الإمارات على رأس مؤتَمر يضمّ "إسرائيل" والبَحرين والمَغرب بين مسؤولي النّظم الأمنيّة السيبرانيّة بهذه الدّوَل، نهاية كانون الثاني/يناير الماضي لمُناقشة إنشاء إطار عمل إقليمي لتقوية المَنظومة الدّفاعية السيبرانيّة.
و هذا المؤتمر حَول الأمن السبيراني عُقد في تلّ أبيب، خلال الفترة بين 30 يناير/كانون الثاني الماضي إلى غاية1فبراير/شباط، لإنشاء “إطار إقليمي مُتكامل لتَعزيز الدّفاع السيبراني الوطني والإقليمي، وهو ما يَعني أنّ الإمارات من المؤسّسين لتَحالف يَخترق المَنطقة، وهو أمر خطير لا يتّسق مع محاولات الإمارات في التّقارب مع مختلف الفُرقاء، لأنّه ملف قد يُفسد جميع الملفّات ولا يُمكن تَمريره عبر الدّبلوماسية النّاعمة التي تتميّز بها الإمارات.
وجانب آخر يُمثّل خطورة أكبر، هو أنّ الدّول الأربعة اتّفقت خلال اجتماع ديسمبر/كانون الأوّل من عام 2022 في المَنامة، على تَسريع إنشاء منصّة دفاع إلكتروني مُشتركة، تهدُف إلى مواجهة التّهديد الإيراني، حسب ما صرّح به رئيس مديريّة الأمن السيبراني الإسرائيليّة غابي بورتنوي.
و أعلن المسؤول الإسرائيلي أنّ المشروع سيَحمل اسم “القبّة الحديديّة السبرانيّة”، في إشارة إلى نظام الدّفاع الجوّي الذي طوّرته شركة “رافاييل” الإسرائيليّة.
وجاء هذا الاجتماع، الذي يهدف إلى خلق نظام دفاعي إلكتروني وطني خاص بتلك الدّوَل وآخر إقليمي مُشترك، تبعًا لاجتماع اللّجنة الرّباعيّة ، وهو تَطابُق مع ما أعلنَته " إسرائيل" سابقا عن نيتها الشروع في بناء “القبة الحديدية السيبرانيّة” بشكلٍ مشترَك مع الدّوَل العربيّة المُتحالفة معها، في مُواجَهة “الأعداء المُشتركين”، المتمثّلين في إيران وحلفائها/ أي أنّه جر للإمارات وتَوريط لها في اصطفاف مُعادي لإيران، رُغم حرص الإمارات على التّوازن، ومُحاولة الإمارات تَطبيع العَلاقات مع إيران.
فهل تَعي الإمارات خطورة هذه السّيَاسات والاتّفاقيّات على نهجها السّياسي، بل وعلى أَمْنها القَومي؟!