(أحمد شوقي\ راصد الخليج)
برزَت في الأيّام الماضية تقارير خطيرة تدقّ أجراس الإنذار حول الاستقرار السياسي في دولة الإمارات، وتحديدًا بعد التّعيينات الأخيرة التي قام بها محمد بن زايد وأبرزها تعيين نجله وليًا للعهد في إمارة أبو ظبي.
ومن التّقارير الهامّة التي نبّهت لخطورة الوضع، قال "مركز أبحاث صوفان" الأمريكي في تقدير موقف، إنّ محمد بن زايد بقراره تعيين نجله الأكبر خالد ولياً لعهد أبوظبي، عزّز سلطاته ونهجه الاستبدادي في الدولة بوضع خارطة طريق لمسار خلافته، وفقًا لتعبير المركز الأمريكي.
وذكر المركز، أنّ "هذه الخطوة مهمّة لأنّ قادة الإمارات يعينون دائما حاكم أبوظبي عاصمة الاتّحاد، رئيسًا للدولة بموجب تقسيم متّفق عليه للسّلطة، يتضمّن شغل حاكم دبي ثاني أكبر إمارة، منصب نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء، منبّهًا إلى أنّ تعيينات محمد بن زايد الأخيرة "تؤشّر إلى أنّه سعى لتقليل مساهمة دبي في قرارات الأمن القومي"، ومعتبرًا أنّ "التّعيينات الأخيرة جاءت كمحاولة لضمان استمرار ولاء أشقّائه حتّى لو لم يتمّ وضعهم في خط خلافة رئاسة الدولة".
وبالتّزامن مع هذا التّقرير، قال مركز "ستراتفور" الأمريكي للدّراسات الاستراتيجيّة والأمنيّة، إنّ خالد بن محمد بن زايد الذي عيّن رسمياً ولياً لعهد أبو ظبي سيحكم على خُطى والده رئيس الإمارات بالقمع والاستبداد وفقاً لتعبير ستراتفور.
ولعلّ هذه التّقارير الأمريكيّة يُمكن أن تسبّب المزيد من القلق إذا ما أُضيفت لتقارير أُخرى تناقش الوضع السياسي من منظور آخر شامل للتغيّرات الاقتصادية العالميّة، حيث رصد مركز الإمارات للدّراسات والإعلام "إيماسك" في دراسة تحليليّة، أنّ هناك تحدياً يواجه المسؤولين في أبوظبي، ويتمثّل في كيفيّة إعادة صياغة "صفقة الحكم" التي عزّزت على نطاق واسع الاستقرار الاجتماعي والسياسي لعقود من الزّمن لكنّها لم تعد تبدو مستدامة اقتصاديًا.
مضيفًا أنّه عاجلاً أم آجلاً، سيبدأ المواطنون الإماراتيون حتماً في الشعور بالألم-إذا لم يكن قد شعروا بالفعل- إذا أرادت الحكومة تحقيق نجاحات ذات مصداقيّة في مسار الإصلاح الاقتصادي، حيث يتطلّب أي انتقال فعّال نحو مستقبل حقيقي لما بعد النّفط إصلاحات اقتصاديّة أعمق ترقى إلى إعادة صياغة ركائز الإنفاق على الرّعاية الاجتماعيّة والرّعاية الصحيّة، ومعظم ما بقيّ ممّا تقدّمه الحكومة كامتيازات للمواطنين.
وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال المسؤولون في الإمارات يدركون أنّ المحاولات السّابقة في دوَل المَنطقة الأُخرى لتقليص الدّعم ورفع أسعار الاحتياجات الأساسيّة والمواد الغذائيّة قد أثارت ردود فعل عنيفة في العديد من الحالات.
وناقش التّقرير قضيّة القبائل والعقد الاجتماعي في الإمارات، حيث يقول أنّ العقد الاجتماعي كان يقوم على مساحة تمنحها الدّولة للقبيلة، مقابل انتقالها للمدن لإرساء دعائم الدولة الاتحاديّة، بعد اكتشاف النّفط، ويُشير المحلّلون وصنّاع القرار أنّ العقد الاجتماعي قائم على توزيع ريع النّفط على المواطنين -كحقّ وليس منحة- مقابل الصّمت السّياسي.
ولكن قضايا مثل الفساد والافتقار إلى المُساءلة الديمقراطيّة والطّبيعة القسريّة المتزايدة للدولة الأمنيّة وأجهزة الأمن التي تقودها أبوظبي، بدأت تُثير غضب قطاعات من الطّبقة المتعلّمة خاصّة الشّباب، واقترن هذا بموقف سائد بين جيل الشباب، الذي يرى فرض ضرائب ورسوم على المواطنين بسبب الأزمات الاقتصاديّة، والقِتال خارج الحدود، والتّجنيد الإجباري، اعتداء على حقوقه الأساسيّة الدّنيا، ومُطالبته بتَمثيل شَعبي حقيقي يُراقب عمل السّلطات ويشرّع القوانين بدلاً من البَقاء في صمت.
وقد خلصت دراسة للباحثة إحسان الميسري إلى أنّ هناك حاجة ملحّة إلى عقد اجتماعي جديد، إذ سيشكّل ذلك انطلاقة جديدة في مسيرة دولة الإمارات، والتّركيز على تحقيق العدالة الاجتماعيّة وحقوق المواطنة وتحقيق الرّفاهية للشّعب، وتحقيق التّنمية البشريّة، والأهم من ذلك خلق أساس لدولة وطنيّة تحفظ استقرار الوطن وأمن المواطن، وإقرار مبدأ المواطنة الكاملة وتوفير شروط إعماله.
هنا نحن أمام مُعضلة مركّبة، تحمل نذرا لعدم الاستقرار السياسي، ومن أهم أبعادها بعد عام يتعلّق بالعقد الاجتماعي والتطوّرات الاقتصاديّة وانعكاساتها المجتمعيّة، وكذلك بعد آخر خاص يتعلّق لترتيبات الحكم والخلافة والتّوريث وما قد يُحدثه من صِراعات داخليّة تمسّ الاستقرار السياسي، وعلى الإمارات الانتباه مبكّرًا لهذه المُعضلة ومحاولة تلافي آثارها الخَطيرة بشكلٍ عاجل وفَوري.